للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البلاغة:

{كَلاّ، إِنَّ كِتابَ الفُجّارِ لَفِي سِجِّينٍ..}. و {كَلاّ، إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ..}.

بينهما مقابلة، حيث قابل بين حال {الفُجّارِ} وحال {الْأَبْرارِ}، وبين {سِجِّينٍ} و {عِلِّيِّينَ}.

المفردات اللغوية:

{كَلاّ} للردع والزجر عما هم فيه من التطفيف والتكذيب بالنسبة للكافر أو الغفلة عن البعث والحساب بالنسبة للمؤمن. {كِتابَ الفُجّارِ} كتاب أعمال الكفار، وهو ما يكتب فيه من أعمالهم. {سِجِّينٍ} كتاب جامع لأعمال الفجرة من الثقلين: الشياطين والفسقة والكفرة، فهو ديوان الشر، بدليل قوله تعالى بعدئذ: {وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ كِتابٌ مَرْقُومٌ} والمعنى أن ما كتب من أعمال الفجار مثبت في ذلك الديوان. وقيل: هو مكان في أسفل السافلين، و {كِتابٌ مَرْقُومٌ} ليس تفسيرا للسجين، بل التقدير: كلا إن كتاب الفجار لفي سجين، وإن كتاب الفجار مرقوم وموقع. لكن قال الزمخشري: سجين كتاب جامع هو ديوان الشر، دوّن الله فيه أعمال الشياطين وأعمال الكفرة والفسقة من الجن والإنس، وهو كتاب مرقوم مسطور بيّن الكتابة، أو معلم يعلم من رآه أنه لا خير فيه، فالمعنى أن ما كتب من أعمال الفجار مثبّت في ذلك الديوان، وسمي سجينا فعّيلا من السجن وهو الحبس والتضييق؛ لأنه سبب الحبس والتضييق في جهنم، فهو اسم علم لا صفة، منقول من وصف كخاتم، وهو منصرف؛ لأنه ليس فيه إلا سبب واحد وهو التعريف (١).

وقال أبو حيان: والظاهر أن سجينا هو كتاب، ولذلك أبدل منه {كِتابٌ مَرْقُومٌ} (٢).

{وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ؟} ما كتاب سجين؟ {كِتابٌ مَرْقُومٌ} كتاب مسطور بيّن الكتابة، أو معلم، يعلم من رآه أنه لا خير فيه، كما تقدم، يقال: رقم الكتاب: إذا جعل له علامة، وتسمى العلامة رقما. {لِلْمُكَذِّبِينَ} بالحق. {مُعْتَدٍ} متجاوز حدود الشرع والنظر والعقل. {أَثِيمٍ} كثير الآثام (أي المعاصي) منهمك في الشهوات المعيبة، صيغة مبالغة.

{آياتُنا} القرآن. {أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ} حكايات وأخبار القدماء، جمع أسطورة، أو اسطارة. {كَلاّ} ردع وزجر لهم عن هذا القول. {بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ} غطّاها وغلب عليها، أي اسودت من الذنوب، وهو رد لما قالوه وبيان سبب قولهم: وهو حب المعاصي بالانهماك فيها،


(١) الكشاف: ٣٢٢/ ٣
(٢) البحر المحيط‍: ٤٤٠/ ٨

<<  <  ج: ص:  >  >>