وننزلهم درجة بعد درجة إلى دركات العذاب، وندنيهم من الهلاك شيئا فشيئا {وَأُمْلِي لَهُمْ} نمهلهم ونؤخرهم {إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} أي إن تدبيري الخفي شديد قوي لا يطاق.
{ما بِصاحِبِهِمْ} محمد صلّى الله عليه وآله وسلم {مِنْ جِنَّةٍ} جنون {نَذِيرٌ مُبِينٌ} بيّن الإنذار، والإنذار:
التعليم والإرشاد مع التخويف {مَلَكُوتِ} ملك {مِنْ شَيْءٍ} بيان لما، فيستدلوا به على قدرة صانعه ووحدانيته {قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ} قرب أجلهم، فيموتوا كفارا، فيصيروا إلى النار، فيبادروا إلى الإيمان {مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} مجموع العالم {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ} الحديث: كلام الله، وهو القرآن، وبعده: بعد القرآن {وَيَذَرُهُمْ} يتركهم {فِي طُغْيانِهِمْ} الطغيان: تجاوز الحد في الكفر والشر والظلم {يَعْمَهُونَ} يترددون تحيرا.
سبب النزول:
نزول الآية (١٨٤):
{أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا}:
أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ ابن حيان الأنصاري عن قتادة بن دعامة قال: ذكر لنا أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم قام على «صفا» فدعا قريشا، فجعل يدعوهم فخذا فخذا، يا بني فلان، يحذرهم بأس الله ووقائعه، فقال قائلهم: إن صاحبكم هذا لمجنون، بات يصوت (١) إلى الصباح، أو حتى أصبح، فأنزل الله تعالى:
أخبر الله تعالى في الآيات السابقة أنه خلق لجهنم كثيرا من الخلق؛ لأنهم أهملوا طاقات المعرفة لديهم من العقل والحواس، ثم أرشد إلى ما يصلح الناس ويقوي إيمانهم من الدعاء بأسمائه الحسنى، ثم ذكر هنا انقسام أمة الدعوة المحمدية فريقين: فريق المهتدين الذين يقضون بالحق والعدل، وفريق المكذبين الضالين. ولفت النظر إلى وجوب التفكر والنظر في عالم السموات والأرض، للتوصل إلى فهم الأمور الدالة على وحدانية الله وصدق الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم.