وكان شأن الله الغفران دائما لهؤلاء المهاجرين، وإسباغ الرحمة الشاملة لهم بعطفه وإحسانه وفضله. ويؤكد هذا المعنى
الحديث المشهور في الصحيحين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه».
وما أعظم الفرق بين هذا الوعد الصريح الأكيد من الله، وبين الوعد بالمغفرة لتاركي الهجرة لضعف أو عجز بأنه محل رجاء وطمع عند الله تعالى.
فقه الحياة أو الأحكام:
المراد بهذه الآية في الأصح كما ذكر القرطبي: جماعة من أهل مكة كانوا قد أسلموا وأظهروا للنبي صلّى الله عليه وسلّم الإيمان به، فلما هاجر النبي صلّى الله عليه وسلّم أقاموا مع قومهم، وفتن منهم جماعة فافتتنوا، فلما كان أمر بدر، خرج منهم قوم مع الكفار، فنزلت الآية.
وبخ الله تعالى هؤلاء المتقاعسين عن الهجرة، وأرشدهم إلى أنهم كانوا متمكنين قادرين على الهجرة والابتعاد عمن كان يستضعفهم، وأنه لم يقبل عذرهم بكونهم مستضعفين حقيقة.
وفي هذه الآية دليل على هجران الأرض التي يعمل فيها بالمعاصي.
أما المستضعفون حقيقة من زمنى الرجال وضعفة النساء والولدان، كعياش بن أبي ربيعة وسلمة بن هشام الذين دعا لهم الرسول صلّى الله عليه وسلّم بالنجاة، فهؤلاء يرجى لهم من الله العفو والمغفرة.