وذكر السّدّي ومحمد بن إسحاق وغيرهما من المفسرين: أن السّبب الذي من أجله أقدم إخوة يوسف بلاد مصر: أن يوسف عليه السّلام، لما باشر الوزارة بمصر، ومضت السّبع السّنين المخصبة، ثم تلتها السّبع السّنين المجدبة، وعمّ القحط بلاد مصر بكمالها، ووصل إلى بلاد كنعان: وهي التي فيها يعقوب عليه السّلام وأولاده، وحينئذ احتاط يوسف عليه السّلام للنّاس في غلاّتهم، وجمعها أحسن جمع، فحصل من ذلك مبلغ عظيم، وهدايا متعددة، وورد عليه الناس من سائر الأقاليم والمعاملات، يمتارون لأنفسهم وعيالهم، فكان لا يعطي الرّجل أكثر من حمل بعير في السّنة، وكان عليه السّلام لا يشبع نفسه، ولا يأكل هو والملك وجنودهما إلا أكلة واحدة في وسط النّهار، حتى يتكفأ الناس بما في أيديهم مدّة السّبع السنين، وكان رحمة من الله تعالى على أهل مصر (١).
وغير هذه الرّوايات هي من الإسرائيليات.
التفسير والبيان:
وجاء إخوة يوسف عليه السّلام من أرض كنعان (فلسطين) إلى مصر، يطلبون شراء القمح، لأن القحط عمّ بلاد الشّام ومصر، لما بلغهم أن عزيز مصر يعطي الناس الطعام بثمنه.
فلما دخلوا على يوسف، وهو في منصبه الرّفيع، عرفهم حين نظر إليهم، لأن ملامح الكبار لا تتغيّر كثيرا، وهم له منكرون، أي لا يعرفونه، لأنهم فارقوه، وهو صغير حدث، وباعوه للسّيّارة، والملامح في حال الصّغر تتغيّر كثيرا في حال الكبر، ولأنهم قدروا هلاكه، وما دار في خلدهم أنه سيصير إلى ما صار إليه، ولنسيانهم له بطول العهد.
وزاد في الأمر أنه-كما ذكر السّدّي-شرع يخاطبهم، فقال لهم كالمنكر