للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومحاجتهم في التوحيد والنبوة والبعث. ناقش الله تعالى أولا فريقا من الكفار ينكر نبوة محمد صلّى الله عليه وسلّم؛ لأنه كان ينكر رسالة البشر، ويطلب أن يكون الرسول من جنس الملائكة. ثم ناقش ثانيا فريقا آخر ينكر البعث والحشر والنشر بعد الموت، ثم ذكر هنا الرد على من كان يؤذي الرسول صلّى الله عليه وسلّم بالقول، متهما إياه بالكذب في الظاهر، أو أنه ساحر أو شاعر أو كاهن أو مجنون.

التفسير والبيان:

يواسي الله نبيه في تكذيب قومه له، ومخالفتهم إياه، وإيلامه بالإعراض عن دعوته، فيقول: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ} أي قد علمنا بتكذيبهم لك وحزنك وتأسفك عليهم، كما جاء في قوله تعالى: {فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً} [الكهف ٦/ ١٨] و {باخِعٌ نَفْسَكَ} أي مهلكها، وقوله: {فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ} [فاطر ٨/ ٣٥].

ومنشأ هذا التكذيب في الظاهر: هو العناد والجحود، كما قال تعالى:

{فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ.}. أي لا يتهمونك بالكذب في الواقع، فأنت الصادق الأمين في نظرهم، فما جربوا عليك كذبا ولا خيانة، ولكنهم يعاندون الحق، ويجحدون بآيات الله، ويردونها بصدودهم.

روى ابن أبي حاتم عن أبي يزيد المدني: أن النّبي صلّى الله عليه وسلّم لقي أبا جهل فصافحه، فقال له رجل: ألا أراك تصافح هذا الصابئ؟ فقال: والله، إني لأعلم إنه لنبي، ولكن متى كنا لنبي عبد مناف تبعا؟ وتلا أبو يزيد: {فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ، وَلكِنَّ الظّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ}.

وقال أبو صالح وقتادة: يعلمون أنك رسول الله ويجحدون.

هذا الموقف من المشركين شبيه تماما بموقف اليهود والنصارى المتقدم بيانه،

<<  <  ج: ص:  >  >>