وللحديث:«ومن كان بينه وبين رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم عهد، فعهده إلى مدته» قال ابن كثير: وهذا أحسن الأقوال وأقواها.
{فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ} سيروا آمنين أيها المشركون في الأرض مدة أربعة أشهر، والمراد حرية الانتقال مع الأمان هذه المدة دون قتال فيها، وأولها شوال، بدليل قول الزهري: إن براءة نزلت في شوال. ولا أمان لكم بعدها. والسياحة والسيح: الانتقال في الأرض بحرية {غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ} أي لا تفوتونه من عذابه بالهرب والتحصن {وَأَنَّ اللهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ} مذلّهم في الدنيا بالقتل وفي الآخرة بالنار، والخزي: الذل والفضيحة بما هو عار.
{وَأَذانٌ} إعلام {يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ} هو يوم العيد الأكبر وهو يوم النحر الذي تنتهي فيه فرائض الحج، ويجتمع فيه الحجيج لإتمام مناسكهم، وإنما قيل: الأكبر من أجل قول الناس عن العمرة: الحج الأصغر {أَنَّ اللهَ} أي بأن الله بريء من عهود المشركين {وَرَسُولِهِ} بريء أيضا {فَإِنْ تُبْتُمْ} من الكفر {وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ} عن الإيمان {وَبَشِّرِ} أخبر {بِعَذابٍ أَلِيمٍ} مؤلم وهو القتل والأسر في الدنيا، والنار في الآخرة. {ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً} من شروط العهد والميثاق، فلم يقتلوا أحدا ولم يضروه. {وَلَمْ يُظاهِرُوا} يعاونوا {عَلَيْكُمْ أَحَداً} من الكفار {فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ} أي إلى انقضاء مدتهم التي عاهدتم عليها {إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} بإتمام العهود.
المناسبة:
كان هناك عهد عام بين النبي صلّى الله عليه وآله وسلم ومشركي مكة وغيرهم على ألا يصدّ عن البيت الحرام أحد من الطرفين، ولا يزعج أحد في الأشهر الحرم، وكانت هناك أيضا عهود بينه عليه الصلاة والسّلام وبين كثير من قبائل العرب إلى آجال معينة، فنقض كثير من المشركين عهودهم مع النبي صلّى الله عليه وآله وسلم، مما اقتضى نزول البراءة من عهودهم.
التفسير والبيان:
نزلت آيات {بَراءَةٌ} الأولى في أهل مكة في السنة التاسعة، بعد أن عاهدهم النبي صلّى الله عليه وآله وسلم في صلح الحديبية سنة ست هجرية، فنقضوا العهد، إلا بني ضمرة وبني كنانة، فأمر المسلمون بالتبرؤ من عهود المشركين وإمهالهم أربعة