ثم أعلن القرآن قاعدة وطيدة عامة: وهي أن الحق ما كان من عند الله وحده، لا من غيره، ويتمثل هذا الحق فيما أمر الله به في القرآن، فهو مما لا شك فيه، فلا تكن يا محمد، وبالأولى غيرك، من الشاكّين في أحقية وصدق ما أنت عليه وهو ما أتاك من ربك من الوحي، ولا تتبع أهواء وأوهام الضالّين الذين لم يتبعوك فيما أمرك الله به، فالقبلة التي تتجه إليها الآن-وهي الكعبة-هي القبلة الحق التي كان عليها إبراهيم ومن بعده من الأنبياء.
والنهي في هذه الآية كالوعيد السابق في آية:{وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ..}.
موجّه إلى النّبي صلّى الله عليه وسلّم، والمراد به من كانوا غير ثابتي الإيمان من أمته، ممن يخشى عليهم الاغترار بأباطيل المخادعين، والتأثر بأقاويل أهل الفتنة.
فقه الحياة أو الأحكام:
اتفق المسلمون-بناء على هذه الآية-على أن استقبال القبلة شرط في صحة الصلاة إلا في حال الخوف أو الفزع، وفي صلاة النافلة على الراحلة (الدابة أو السفينة أو الطائرة)، فإن القبلة حال الخوف جهة الأمن، وفي حال الركوب حيث توجهت به الراحلة.
واتفق العلماء على أن الكعبة قبلة في كلّ أفق، وعلى أن من شاهدها وعاينها، فرض عليه استقبال عينها، فإن ترك استقبالها وهو معاين لها، فلا صلاة له، وعليه إعادة كلّ ما صلّى. ومن جلس في المسجد الحرام فليكن وجهه إلى الكعبة، وينظر إليها إيمانا واحتسابا، فإنه يروى أن النظر إلى الكعبة عبادة.
وأجمعوا على أن كلّ من غاب عنها عليه أن يستقبل ناحيتها وشطرها، فإن خفيت عليه، فعليه أن يستدل على ذلك بكل ما يمكنه من موقع الشمس، والنجوم، والبوصلة المعروفة، وغير ذلك.