{فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيًّا} أي لما قال جبريل لها عن الله تعالى ما قال، استسلمت لقضاء الله تعالى، فنفخ جبريل في جيب درعها (فتحة قميصها) فنزلت النفخة في جوفها، حتى ولجت فرجها، فحملت بالولد بإذن الله تعالى، فاعتزلت إلى مكان بعيد. والفاء وإن كانت للتعقيب، لكن تعقيب كل شيء بحسبه.
ولم يعيّن القرآن الكريم مدة الحمل، إذ لا حاجة لمعرفتها، لذا نرى أن حملها كان بحسب المعتاد بين النساء، وهو تسعة أشهر قمرية. وإنما اتخذت المكان البعيد لا من أجل الوضع، وإنما حياء من قومها، وبعدا عن اتهامها بالريبة.
فقه الحياة أو الأحكام:
هذه بداية قصة السيدة مريم العذراء، حكى فيها الحق سبحانه كيفية حملها بعيسى عليه السلام، مبينا مقدمات ضرورية لإبراز عفتها وصونها.
فهي قد اعتزلت أهلها شرقي البيت المقدس للانقطاع للعبادة وللخلوة مع الله ومناجاة ربها، فأرسل الله إليها جبريل عليه السلام بصورة بشر تام الخلقة؛ لأنها لم تكن لتطيق أو تنظر جبريل في صورته الحقيقية الملكية، ولما رأت رجلا حسن الصورة في صورة البشر، قد خرق عليها الحجاب، ظنت أنه يريدها بسوء، فتعوذت بالله منه إن كان ممن يتقي الله.
فأخبرها جبريل بأنه رسول من عند الله بعثه إليها ليهبها غلاما طاهرا نقيا من الذنوب والمعاصي، وجعل الهبة من قبله؛ لأنه الواسطة ورسول الاعلام بالهبة من قبله. روي أن جبريل عليه السلام حين قال لها هذه المقالة نفخ في جيب درعها وكمّها.
فتساءلت مريم عن وسيلة إيجاد الغلام، لا استبعادا لقدرة الله تعالى، ولكن أرادت معرفة كيفية تكوّن هذا الولد، من قبل الزوج الذي تتزوجه في