آية {قُلْ: يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا.}. فيها: إقباله تعالى على خلقه ونداؤه لهم، وإضافة عباد إليه للتشريف، والتفات من التكلم إلى الغيبة، إذ الأصل: تسرفوا، ولا تقنطوا من رحمتي، وإضافة الرحمة في قوله {مِنْ رَحْمَةِ اللهِ} إلى الله باعتبار لفظ الجلالة جامعا لجميع الأسماء والصفات، وقوله:{إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} جملة معرّفة الطرفين، مؤكدة بإن وضمير الفصل، وقوله:{إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ} وضع فيه الاسم الظاهر موضع الضمير، لدلالته على أنه المستغني والمنعم على الإطلاق.
{أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ: يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ} قوله: {جَنْبِ اللهِ}: كناية عن حق الله وطاعته.
المفردات اللغوية:
{عِبادِيَ} هذه الإضافة مخصوصة بالمؤمنين في عرف القرآن.
{أَسْرَفُوا} أي تجاوزوا الحد في أفعالهم، بالإسراف أو الإفراط في المعاصي {لا تَقْنَطُوا} لا تيأسوا من مغفرته وتفضله {إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} عفوا منه، ولو بعد تعذيب، وتقييد المغفرة بالتوبة خلاف الظاهر، كما قال البيضاوي، ويدل على إطلاقها فيما عدا الشرك قوله تعالى:
{إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ}[النساء ٤٨/ ٤] والتعليل بقوله هنا: {إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} على المبالغة وإفادة الحصر، والوعد بالرحمة بعد المغفرة. لكن هذا متروك لمشيئة الله وتفضله، وليس هو القانون العام.
{وَأَنِيبُوا} ارجعوا وتوبوا {إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا} أخلصوا العمل {لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ} بمنعه، إن لم تتوبوا، وذكر الإنابة بعد المغفرة لئلا يطمع طامع في حصولها بغير توبة، وللدلالة على أنها شرط فيها لازم، لا تحصل بدونه، كما قال الزمخشري، أي إن المغفرة لا تحصل لكل أحد من غير توبة وإخلاص في العمل، وهو القانون العام.
{وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} وهو القرآن {بَغْتَةً} فجأة {وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} بمجيئه، فتتداركون التقصير في الأعمال {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ} كراهة أن تقول نفس، وتنكير نفس لأن القائل بعض الأنفس، أو للتكثير {يا حَسْرَتى} أي يا حسرتي وندامتي {فَرَّطْتُ} قصرت {فِي جَنْبِ اللهِ} جانبه أي طاعته وعبادته وطلب مرضاته {وَإِنْ} وإني {السّاخِرِينَ} المستهزئين بدينه وكتابه وأهله.