والإخراج من الجنة كان هو العقاب على تلك المعصية، أما العقاب الأخروي فقد عفا الله عنه بالتوبة التي أذهبت أثره وقبلها الله تعالى، كما قال:{وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى، ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ، فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى}[طه ١٢١/ ٢٠ - ١٢٢].
ثم أبان تعالى أجل الإنسان في الدنيا فقال:{وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ.}.
أي لكم قرار وأعمار مضروبة إلى آجال معلومة، قد جرى بها القلم، وأحصاها القدر، وسطرت في الكتاب الأول، فيها تحيون مدة العمر المقدر لكل منكم، وفيها تموتون حين انتهاء الأجل، ومنها تخرجون إلى البعث والجزاء بعد الموت حينما يريد الله:{مِنْها خَلَقْناكُمْ، وَفِيها نُعِيدُكُمْ، وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى}[طه ٥٥/ ٢٠].
فقه الحياة أو الأحكام:
بعد إخراج إبليس من موضعه في السماء، قال الله لآدم: اسكن أنت وحواء الجنة، وهو أمر تعبد، أو أمر إباحة وإطلاق، من حيث إنه لا مشقة فيه، فليس هو أمرا تكليفيا، ولا يتعلق به تكليف.
وهذا دليل على أن سكنى آدم في الجنة كانت في مبدأ حياتهما، ثم أمرا بالنزول إلى الأرض، بسبب كيد الشيطان وحسده ووسوسته، وكان أخطر سلاح استخدمه هو تغريرهما بالحلف المؤكد بالله، فانخدعا، وقد يخدع المؤمن بالله.
وقد فهم من آية:{إِلاّ أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ} تفضيل الملائكة على البشر، كما في آيات كثيرة منها:{وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ}[الأنعام ٥٠/ ٦] ومنها:
{وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ}[النساء ١٧٢/ ٤] وقال الكلبي: فضلوا-أي المؤمنون- على الخلائق كلهم، غير طائفة من الملائكة: جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، وملك الموت؛ لأنهم من جملة رسل الله.