للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التفسير والبيان:

ما ينبغي للنبي والمؤمنين، وليس من شأنهم أن يستغفروا أو يدعو الله بالمغفرة للمشركين، أو معناه ليس لهم ذلك على معنى النهي (١)؛ لأن النبوة والإيمان مانعان من الاستغفار للمشركين، ولا تستغفروا، والمعنيان متقاربان، وسبب المنع قوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ} [التوبة ١١٣/ ٩] وقوله تعالى: {إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ، وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ} [النساء ١١٦/ ٤].

والمنع حتى ولو كانوا من أقرب المقربين، قياما بحق البر والصلة والشفقة عليهم.

من بعد ما ظهر لهم بالدليل أنهم من أصحاب النار، بأن ماتوا على الكفر، أي أن العلة المانعة من هذا الاستغفار هو تبين كونهم من أصحاب النار، وهذه العلة لا تفرّق بين الأقارب والأباعد. قال البيضاوي: وفيه دليل على جواز الاستغفار لأحيائهم، فإنه طلب توفيقهم للإيمان، وبه دفع النقض باستغفار إبراهيم لأبيه الكافر، فقال: {وَما كانَ اسْتِغْفارُ.} ..

أما استغفار إبراهيم عليه السّلام لأبيه آزر بقوله: {وَاغْفِرْ لِأَبِي، إِنَّهُ كانَ مِنَ الضّالِّينَ} [الشعراء ٨٦/ ٢٦] أي وفقه للإيمان، فكان بسبب صدور وعد سابق على المنع، إذ قال: {سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا} [مريم ٤٧/ ١٩] أي لا أملك إلا الدعاء لك. وكان من خلق إبراهيم الوفاء: {وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفّى} [النجم ٣٧/ ٥٣].


(١) قال أهل المعاني: ما كانَ في القرآن يأتي على وجهين: على النفي نحو قوله: ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها [النمل ٦٠/ ٢٧] والآخر بمعنى النهي كقوله: وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ [الأحزاب ٥٣/ ٣٣] وكهذه الآية.

<<  <  ج: ص:  >  >>