وأما الرفع: فعلى أن تكون: أن وصلتها مبتدأ، وخبره محذوف، وتقديره: أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس أمثل وأولى من تركها.
المفردات اللغوية:
{عُرْضَةً} هي المانع المعترض دون الشيء. {لِأَيْمانِكُمْ} أي ما حلفتم (١) عليه من البر والتقوى والإصلاح، ويكون:{أَنْ تَبَرُّوا} بدلا من أيمانكم، ويكون المعنى: لا تجعلوا الله مانعا من البر، وهذا المعنى موافق
لخبر الصحيحين في قوله صلّى الله عليه وسلّم:«من حلف على يمين، فرأى غيرها خيرا منها، فليأت الذي هو خير، وليكفّر عن يمينه». وهناك معنى آخر هو: لا تجعلوا الحلف بالله معرّضا لأيمانكم، تبتذلونه بكثرة الحلف به، ويكون {أَنْ تَبَرُّوا} علّة للنهي، أي أن لا تبروا أو إرادة أن تبروا وتتقوا وتصلحوا، لأن الحلاّف مجترئ على الله، غير معظم له، فلا يكون برّا متقيا، ولا يثق به الناس، وعلى هذا تكون الآية نهيا عن كثرة الحلف بالله، وابتذاله في الأيمان. {وَاللهُ سَمِيعٌ} لأقوالكم. {عَلِيمٌ} بأحوالكم.
{بِاللَّغْوِ} هو اليمين الذي لا قصد فيه ولا نيّة، كأن يجري على لسانه: إي والله، ولا والله، وبلى والله، من غير قصد اليمين، وإنما يسبق إليه اللسان عادة، فلا مؤاخذة فيه بكفارة ولا إثم ولا بعقوبة. واليمين اللغو عند أبي حنيفة: أن يحلف على ظن شيء أنه حصل، ثم يظهر خلافه.
{وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} أي قصدته من الأيمان إذا حنثتم، وهو مثل قوله تعالى:
روى ابن جرير الطبري عن ابن جريج، أن قوله تعالى:{وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ} نزلت بسبب أبي بكر الصديق إذ حلف ألا ينفق على مسطح، حين خاض مع المنافقين في حديث الإفك وتكلم في عائشة رضي الله عنها، وفيه
(١) اليمين: الحلف، وأصله: أن العرب كانت إذا تحالفت أو تعاقدت، أخذ الرجل يمين صاحبه بيمينه ثم كثر ذلك، حتى سمي الحلف والعهد نفسه يمينا.