{وَإِنْ عُدْتُمْ} إلى الفساد. {عُدْنا} إلى العقوبة، وقد عادوا بتكذيب محمد صلّى الله عليه وآله وسلم، فسلّط عليهم بقتل قريظة، ونفي بني النضير، وفرض الجزية عليهم. {حَصِيراً} محبسا وسجنا، لا يقدرون على الخروج منها أبدا، وقيل: بساطا، كما يبسط الحصير.
المناسبة:
بعد أن ذكر الله تعالى إنعامه على بني إسرائيل بإنزال التوراة عليهم، لتكون لهم هدى يهتدون بها، ذكر أنهم ما اتبعوا هداها، بل أفسدوا في الأرض بقتل الأنبياء وسفك الدّماء، فسلّط الله عليهم البابليين بقيادة بختنصّر، فقتلوهم ونهبوا أموالهم، وخربوا بيت المقدس، وسبوا أولادهم ونساءهم، وذلك أول الفسادين وعقابه.
ثم لما تابوا، أعاد الله لهم الدولة والغلبة، وأمدّهم بالأموال والبنين، ثم عادوا إلى فسادهم وعصيانهم، فقتلوا زكريا ويحيى عليهما السّلام، فسلّط الله عليهم الفرس، فقتلوهم، وسلبوهم، وخربوا بيت المقدس مرة أخرى، ثم وعدهم الله بالنصر إن أطاعوا، وبالعقاب بنار جهنم إن عصوا وأفسدوا.
التفسير والبيان:
هذه الآيات بيان لتأريخ بني إسرائيل وإخبار عما يرتكبون من وقائع وأحداث دامغة، ومفاسد عظيمة، والمعنى: وأعلمنا بني إسرائيل وأخبرناهم وأوحينا إليهم وحيا مقضيّا مقطوعا بحصوله فيما أنزلناه في التوراة على موسى أنهم سيفسدون في الأرض: أرض الشام وبيت المقدس أو أرض مصر، أو في كلّ أرض يحلّون فيها مرتين، ويعصون الله، ويخالفون شرع ربّهم في التوراة مخالفتين لا مخالفة واحدة، وهما:
الأولى-مخالفة التوراة وتغييرها، وقتل بعض الأنبياء، مثل شعيا عليه السّلام، وحبس إرميا حين أنذرهم سخط الله تعالى.