للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثانية-قتل زكريا ويحيى ومحاولة قتل عيسى عليهم السّلام.

ثم إنهم يتجبّرون ويطغون ويفجرون ويستعلون على الناس بغير الحق استعلاء عظيما، ويظلمونهم ظلما شديدا، فقوله تعالى: {عُلُوًّا كَبِيراً} أراد به التّكبر والبغي والطغيان.

{فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما.}. أي فإذا حان موعد أولى المرتين من الإفساد، وجاء وعد الفساق ووقت العقاب الموعود به على المرة الأولى، سلّطنا عليكم جندا من خلقنا أولي بأس شديد، أي قوة وشدّة وأصحاب عدّة في الحروب وعدد، وهم أهل بابل بقيادة بختنصّر، حين كذبوا إرمياء وجرحوه وحبسوه، كما قال ابن عباس وغيره. وقال قتادة: أرسل عليهم جالوت فقتلهم، فهو وقومه أولو بأس شديد. وقال مجاهد: هم جند من فارس، والظاهر الرأي الأول، والمهم العبرة والعظة من تسلّط‍ فئة على فئة باغية، ولا يهم بيان الأشخاص والجماعات.

{فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ.}.، أي أوغلوا في البلاد وتملكوها، وتردّدوا فيها وفي أوساطها ذهابا وإيابا، لا يخافون أحدا، يقتلون ويسلبون وينهبون، ويقتلون العلماء والكبراء، وكان من آثارهم إحراق التوراة، وتخريب بيت المقدس، وسبي عدد كثير من بني إسرائيل، وكان ذلك وعدا منجزا نافذا، وقضاء كائنا لا خلف فيه، أو قضاء حتما جزما لا يقبل النقض والنسخ؛ لأنهم تمردوا وقتلوا خلقا من الأنبياء والعلماء.

وكان هذا الدّرس القاسي البليغ محقّقا الثّمرة والغاية، فاتّعظ‍ بنو إسرائيل مما حدث، وثابوا لرشدهم، وعدلوا عن غيّهم وضلالهم، وتمسّكوا بمبادئ كتابهم ودينهم، فكان ذلك مؤذنا بنصر جديد كما قال تعالى:

{ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ.}. أي ثم أعدنا لكم الدولة والغلبة عليهم،

<<  <  ج: ص:  >  >>