{وَيَقُولُ الْإِنْسانُ} المنكر للبعث: أبيّ بن خلف أو الوليد بن المغيرة النازل فيه الآية. فإن الأول أخذ عظاما بالية، ففتّها، وقال: يزعم محمد أنّا نبعث بعد الموت. أو المراد بالإنسان: بعض الناس المعهود وهم الكفرة، أو المراد به الجنس، فإن المقول مقول فيما بينهم، وإن لم يقل كلهم، كقولك: بنو فلان قتلوا فلانا، والقاتل واحد منهم.
{أَإِذا ما مِتُّ، لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا} من الأرض، أو من حال الموت. وتقديم الظرف؛ لأن المنكر وقت الحياة لأمر بعد الموت، وهو منصوب بفعل دل عليه {أُخْرَجُ} لا به، فإن ما بعد اللام لا يعمل فيما قبلها، والاستفهام بمعنى النفي، أي لا أحيا بعد الموت. و {ما} زائدة للتأكيد، وكذا اللام في {لَسَوْفَ} للتأكيد.
{أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ} عطف على {يَقُولُ} وهو رد على مقاله السابق. ويذكر أصله: يتذكر أي يتفكر {أَنّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ، وَلَمْ يَكُ شَيْئاً} فيستدل بابتداء الخلق على الإعادة.
{فَوَ رَبِّكَ} قسم باسمه تعالى مضاف إلى نبيه، تحقيقا للأمر، وتفخيما لشأن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم {لَنَحْشُرَنَّهُمْ} لنجمعنهم أي الكفار المنكرين للبعث {وَالشَّياطِينَ} عطف أو مفعول معه. لما روي أن الكفرة يحشرون مع قرنائهم من الشياطين الذين أغووهم، كل مع شيطانه في سلسلة. وهذا وإن كان مخصوصا بالكفار، ساغ نسبته إلى الجنس البشري بأسره، فإنهم إذا حشروا، وفيهم الكفرة مقرونين بالشياطين، فقد حشروا جميعا معهم {حَوْلَ جَهَنَّمَ} من خارجها {جِثِيًّا} على الركب، جمع جاث: وهو البارك على ركبتيه.
{شِيعَةٍ} أمة أو جماعة أو فرقة منهم شايعت دينا وتعاونت على الباطل {أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا} أي تكبرا وجرأة وعصيانا ومجاوزة للحد، أي من كان أعصى وأعتى منهم، فنطرحهم في جهنم. وفي ذكر الأشد تنبيه على أنه تعالى يعفو عن كثير من أهل العصيان. ولو خص ذلك بالكفرة، فالمراد أنه يميز طوائفهم أعتاهم فأعتاهم، ويطرحهم في النار، على الترتيب، أو يدخل كلا طبقتها التي تليق بهم.
{أَوْلى بِها} أحق بجهنم، الأشد وغيره منهم {صِلِيًّا} أي أحق بالصلي، وهو الدخول فيها والاحتراق، من صلي بالنار: إذا قاس حرها. {وَإِنْ مِنْكُمْ} وما منكم أحد، التفات إلى الإنسان {وارِدُها} مارّ بها وهي خامدة، على الصراط الممدود عليها. وأما قوله:{أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ} أي عن عذابها {حَتْماً} واجبا {مَقْضِيًّا} قضي بوقوعه، فلا ينقص وعده مطلقا.