والمراد بالإجرام: كلّ إفساد، كإفساد الفطرة بالكفر. {مِهادٌ} فراش. {غَواشٍ} أغطية من النّار، جمع أغشية، وتنوينه عوض من الياء المحذوفة.
المناسبة:
المقصود من هذه الآيات إتمام وعيد الكفار؛ لأنه تعالى أخبر في الآية المتقدمة عن خلود المكذّبين بالقرآن في النّار، المستكبرين عن الإيمان بالله والنّبي والمعاد، ثم أخبر عن استحالة دخولهم الجنة، وعدم قبول أعمالهم الصالحة.
التفسير والبيان:
إن الذين كذبوا بآياتنا الدّالة على وحدانيتنا وصدق نبيّنا وصحّة النّبوات وإثبات المعاد، لا يصعد لهم عمل صالح؛ لخبث أعمالهم، وإنّما يتقبّل الله من المتّقين، ويقبل العمل الصالح، ويرفع إليه الكلم الطيّب: لقوله تعالى:
{كَلاّ، إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ}[المطففين ١٨/ ٨٣]، فلا تفتح لأعمالهم وأرواحهم أبواب السّماء، وهذا فيه جمع بين القولين في تفسير هذه الآية.
ولا يدخلون الجنّة أبدا بحال، فهم مطرودون من رحمة الله، فدخولهم الجنة مستحيل، لقوله:{حَتّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ} وهذا أسلوب شائع بين العرب للدّلالة على الاستحالة، فهم يقولون: لا أفعل كذا حتى يشيب الغراب، وحتى يبيضّ القار (الزّفت) وحتى يدخل الجمل في سمّ الخياط. وروي عن ابن عباس وسعيد بن جبير أنّ المراد: حتى يدخل الجمّل أي الحبل الغليظ في خرق الإبرة، قال ابن عباس رضي الله عنه: إن الله أحسن تشبيها من أن يشبه بالجمل، يعني أن الحبل مناسب للخيط الذي يسلك في سمّ الإبرة، والبعير لا يناسبه. قال الزّمخشري: إلا أن قراءة العامة {الْجَمَلُ} أوقع، لأنّ سمّ الإبرة مثل في ضيق المسلك، يقال: أضيق من خرت الإبرة، والجمل مثل في عظم الجرم.