والتذكير بمكر قريش ليشكر نعمة الله عليه في خلاصه من مكرهم وتدبيرهم واستيلائه عليهم.
والمكر: التدبير الخفي لإيصال المكروه إلى آخر من حيث لا يشعر.
{لِيُثْبِتُوكَ} يوثقوك بالوثاق، ويحبسوك بالقيد، حتى لا تقدر على الحركة. {أَوْ يَقْتُلُوكَ} كلهم قتلة رجل واحد. {أَوْ يُخْرِجُوكَ} يطردوك من مكة. {وَيَمْكُرُونَ} بك.
ويمكر الله بهم بتدبير أمرك بأن أوحى إليك ما دبروه وأمرك بالخروج. {وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ} أعلمهم به، وأفضل المدبرين.
{آياتُنا} القرآن. {قالُوا: قَدْ سَمِعْنا، لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا} قاله النضر بن الحارث؛ لأنه كان يأتي الحيرة يتّجر، فيشتري كتب أخبار الأعاجم ويحدث بها أهل مكة. {إِنْ} ما. {هذا} القرآن. {إِلاّ أَساطِيرُ} أكاذيب، جمع أسطورة: وهي القصص والأحاديث التي سطرت في الكتب القديمة الأولى بدون تمحيص ولا نظام.
سبب النزول:
نزول الآية (٣٠):
{وَإِذْ يَمْكُرُ}: أخرج ابن أبي حاتم وابن إسحاق عن ابن عباس: أن نفرا من قريش ومن أشراف كل قبيلة اجتمعوا ليدخلوا دار الندوة، فاعترضهم إبليس في صورة شيخ جليل، فلما رأوه قالوا: من أنت؟ قال: شيخ من أهل نجد، سمعت بما اجتمعتم له، فأردت أن أحضركم، ولن يعدمكم مني رأي أو نصح، قالوا: أجل، فادخل، فدخل معهم، فقال: انظروا في شأن هذا الرجل، فقال قائل: احبسوه في وثاق، ثم تربصوا به المنون حتى يهلك كما هلك من كان قبله من الشعراء: زهير ونابغة، فإنما هو كأحدهم.
فقال عدو الله الشيخ النجدي: لا والله، ما هذا لكم برأي، والله ليخرجن رائد من محبسه إلى أصحابه، فليوشكن أن يثبوا عليه حتى يأخذوه من أيديكم، ثم يمنعوه منكم، فما آمن عليكم أن يخرجوكم من بلادكم، فانظروا في غير هذا الرأي.