فكان الحي إذا كان فيهم عدة ومنعة، فقتل عبد قوم آخرين عبدا لهم، قالوا:
لا نقتل به إلا حرا، اعتزازا بأنفسهم على غيرهم. وإن قتلت لهم امرأة قالوا:
لا نقتل بها إلا رجلا، فأنزل الله هذه الآية، يخبرهم أن العبد بالعبد، والأنثى بالأنثى، فنهاهم عن البغي.
ثم أنزل الله تعالى في سورة المائدة بعد ذلك:{وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ، وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ، وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ، وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ، وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ، وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ}[المائدة ٤٥/ ٥].
وروي عن السّدّي أنه قال في هذه الآية: اقتتل أهل ملتين من العرب، أحدهما مسلم والآخر معاهد، في بعض ما يكون بين العرب من الأمر، فأصلح بينهم النّبي صلّى الله عليه وسلّم-وقد كانوا قتلوا الأحرار والعبيد والنساء-على أن يؤدي الحر دية الحر، والعبد دية العبد، والأنثى دية الأنثى، فقاصهم بعضهم من بعض.
فنزلت الآية لتأييد حكمه.
التفسير والبيان:
كانت عقوبة القاتل قبل الإسلام متعددة الأنواع، فعند اليهود القصاص، وعند النصارى الدية، وعند عرب الجاهلية تشيع عادة الأخذ بالثأر، فيقتل غير القاتل، وقد يقتلون رئيس القبيلة، أو أكثر من واحد من قبيلة القاتل، وربما طلبوا بالواحد عشرة، وبالأنثى ذكرا وبالعبد حرا.
ثم قرر الإسلام أخذا بالعدل والمساواة عقوبة القصاص، لأنها تزجر الناس عن ارتكاب جريمة القتل، وما تزال هذه العقوبة هي الزاجرة في عصرنا الحاضر، إذ أن السجن لا يزجر كثيرا من المجرمين سفاحي الدماء. وتشريع الله هو الأعدل والأحكام والأسدّ، لأن الله أعلم بما يصلح الناس، وبما يربي الأمم والشعوب. وأباح الشرع أخذ الدية بدلا عن القصاص.