السّجن، ورزقني الملك، وجاء بكم من البادية، وكانوا أهل بادية وماشية وشظف عيش، فنقلكم إلى الحضر وترف المدينة.
ولم يذكر إخراجه من البئر، ترفّعا عن لوم إخوته، وتكريما لهم، وحفاظا على حيائهم، ولأن السّجن كان آخر المحن، وأخطر من السّقوط في الجبّ؛ لما فيه من اتّهام بالنّساء، ولأنه بعد خروجه من البئر صار عبدا لا ملكا، وصار بعد السّجن ملكا، فكان الإخراج منه أقرب إلى الإنعام الكامل.
حدث هذا كلّه من بعد أن نزغ الشّيطان، أي أفسد وأغوى بيني وبين إخوتي، وقد أضاف النّزغ إلى الشّيطان؛ لأنه سبب الإفساد، وتكريما لإخوته.
{إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ} أي إذا أراد أمرا قيّض له أسبابا وقدّره ويسّره، إنه هو العليم بمصالح عباده، الحكيم في أقواله وأفعاله، وقضائه وقدره، وما يختاره ويريده.
فقه الحياة أو الأحكام:
يفهم من الآيات ما يأتي:
١ - إن العاطفة بين الولد وأبويه طبيعية فطرية، لذا كان إكرام يوسف عليه السّلام لأبويه أشدّ من إكرام إخوته، فعانقهما وضمّهما إليه، وأجلسهما على سرير الملك معه، واكتفى بأن قال لجميع الأسرة:{اُدْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ}.
٢ - دلّ قوله تعالى:{اُدْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ} على تأمين الحاكم الدّاخلين إلى بلاده من قطر آخر، وهو أمان يشمل الأنفس والأهل والأموال.
والمراد بقوله تعالى:{اُدْخُلُوا مِصْرَ} كما ذكر ابن عباس: أقيموا بها آمنين، سمّى الإقامة دخولا لاقتران أحدهما بالآخر.