كفروا بمحمد صلّى الله عليه وسلّم أو بالعذاب في الدنيا قبل ذلك أوان التكليف {وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ} يرجمون أو يرمون بالظن الذي لا دليل عليه، تقول العرب لكل من لم يتيقن أمرا: يقذف بالغيب، أي يرمي به {مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ} من جهة بعيدة، ليس فيها مستند لظنهم الباطل، وفيه تمثيل لحالهم بحال من يرمي شيئا لا يراه من مكان بعيد. والمراد أنهم يتكلمون في شأن النبي صلّى الله عليه وسلّم من المطاعن أو في العذاب من الجزم بنفيه، حيث قالوا في النبي صلّى الله عليه وسلّم: ساحر، شاعر، كاهن، وفي القرآن: سحر، شعر، كهانة.
{وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ} من قبول الإيمان، أو الرجوع إلى الدنيا، أو من أموالهم وأهليهم في الدنيا {كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ} أي فعل بأمثالهم ونظرائهم من كفار الأمم الماضية، من قبلهم، والأشياع: جمع شيع: وهذا جمع شيعة: وهي أنصار المذهب المتشيعين له {فِي شَكٍّ مُرِيبٍ} موقع في الريبة والظن، في أمر الرسل وما دعوا إليه من التوحيد، والبعث والجنة والنار.
ومريب: يحتمل وجهين: الأول: موقع في الريب والتهمة، والثاني: ذي ريب.
المناسبة:
بعد بيان أسباب العذاب، والرد على شبهات الكفار، هددهم الله تعالى وأنذرهم بشديد العقاب يوم القيامة، ثم أخبر عن إيمانهم حين معاينة العذاب يوم لا ينفع إيمان، لفوات الأوان، وكفرهم بالله وبرسوله وكتابه من قبل.
التفسير والبيان:
{وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ، وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ} أي لو رأيت يا محمد هؤلاء الكفار حين خافوا عند البعث، وخروجهم من القبور، ورؤيتهم ألوان العذاب الشديد، لرأيت أمرا عجبا، فهم لا يتمكنون من الهرب ولا فوت، أي لا مفر لهم ولا ملجأ لهم من العذاب، وأخذوا لأول وهلة حين الفزع من القبور وموقف الحساب إلى نار جهنم، كما قال تعالى:{وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ، رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً، إِنّا مُوقِنُونَ}[السجدة ١٢/ ٣٢].
{وَقالُوا: آمَنّا بِهِ، وَأَنّى لَهُمُ التَّناوُشُ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ} أي وقال الكفار