{هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً.}. أي قال أصحاب الكهف عن قومهم الذين كانوا في زمان (دقيانوس) يعبدون الأصنام: هلا يأتون بحجة بيّنة على صحة ما يفعلون من عبادة تلك الآلهة الباطلة المزعومة؟! وهلا أقاموا على صحة ما ذهبوا إليه دليلا واضحا صحيحا؟! وهذا يدل على أن الاستدلال بعدم الدليل على عدم المدلول طريقة صحيحة عقلا ومنطقا.
{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً} أي لا أحد أشد ظلما من افتراء الكذب على الله، ونسبة الشريك إليه، فهم قوم ظالمون كاذبون في قولهم ذلك.
وكان من لطف الله بهم أن ملكهم بعد أن هددهم وتوعدهم، أمهلهم لينظروا في أمرهم لعلهم يرجعون عن دينهم الذي كانوا عليه، فوجدوها فرصة مواتية، وهربوا فرارا بدينهم من الفتنة.
قال ابن كثير: وهذا هو المشروع عند وقوع الفتن في الناس أن يفرّ العبد منهم خوفا على دينه، كما
جاء في حديث البخاري وأبي داود عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قال:«يوشك أن يكون خير مال أحدكم غنما يتبع بها شعف الجبال، ومواقع القطر، يفرّ بدينه من الفتن» ففي هذه الحال تشرع العزلة عن الناس، ولا تشرع فيما عداها، لما يفوت بها من ترك الجماعات والجمع.
العزلة بينهم وبين قومهم:
{وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللهَ..}. واذكروا يا أهل الكهف ذلك الخطاب الذي صدر من بعضكم لبعض حينما صممتم على الفرار بدينكم فاعتزلتم