عجبا لكم أسحر هذا؟! والحال أنكم تعرفون أن السحر تخييل وتمويه، ولو كان هذا سحرا لاضمحلّ، ولم يبطل سحر السّحرة، ولا يفوز السّاحرون في ساحات الحقائق، وقضايا الدّين، وأصول الحياة، وإقامة الممالك؛ لأن السّحر شعوذة وخفّة يد لا تغير من الحقيقة شيئا. وقولهم: هذا سحر محذوف، والاستفهام بقوله: أتقولون؟ إنكار، ثم استأنف إنكارا آخر من قبله، فقال:{أَسِحْرٌ هذا}؟! وحذف قولهم الأول اكتفاء بالثاني من قولهم، منكرا على فرعون وملئه.
فأجابوه إجابة الضعيف المفلس الحجة الذي لا يجد متمسكا له إلا التقليد للآباء والأجداد ووراثة العادات والطقوس الدّينية، فقالوا:{قالُوا: أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا.}. أي أجئتنا يا موسى لتصرفنا عن دين آبائنا وأجدادنا، ولتكون لكما أي لك ولهارون أخيك الكبرياء في الأرض، أي الرّياسة الدّينية والدّنيوية أو العظمة والملك والسّلطان، وما نحن لكما بمصدقين لكما فيما تدعيانه من دين جديد يغاير دين الأسلاف والآباء، وهذا سبب تكذيب الرّسل دائما.
وقد خاطبوا موسى أولا؛ لأنه كان هو الدّاعي لهم للإيمان بما جاء به، والإقرار بتوحيد الإله، ونبذ عبادة الأصنام والأوثان. ثم أشركوا معه أخاه في الإفادة من ثمرات الدّعوة وهي النّفوذ والسّلطة والعظمة.
فقه الحياة أو الأحكام:
لم يختلف شأن فرعون وقومه عمن قبله من الأمم، في تكذيب الأنبياء، وعناد الدّعاة إلى الإيمان بالله، والتّخلص من عبادة الأصنام.
وتمثل هذه القصة شدّة العناد بسبب عظمة السلطان والملك والجاه، أمام شخصين ضعيفين موسى وهارون، وكان موسى قد تربى في بيت فرعون.
ولكن الضعف الشّخصي يزول أمام قوة الاعتزاز بالنّبوة والإيمان، فبالرغم