للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كشرب المريض الدواء المرّ، وأما في حق المؤمنين فلأنه صيانة لهم من سطوة الكفار واستيلائهم.

{وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً} أي في الجهاد ولو مثل التمرة {وَلا كَبِيرَةً} مثل إنفاق عثمان رضي الله عنه في تجهيز جيش العسرة {وادِياً} في مسيرهم، وهو كل منفرج ينفذ فيه السيل، والمراد أي أرض {إِلاّ كُتِبَ لَهُمْ} أثبت لهم ذلك {لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ} بذلك {أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ} جزاء أحسن أعمالهم أو أحسن جزاء أو أحسن جزاء أعمالهم.

المناسبة:

بعد أن أمر الله تعالى بقوله: {وَكُونُوا مَعَ الصّادِقِينَ} بالصدق في متابعة الرسول في جميع الغزوات، أكد هنا ذلك، فنهى عن التخلف عنه، وأبان حسن الجزاء على الجهاد.

التفسير والبيان:

يعاتب الله تعالى المتخلفين عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم في غزوة تبوك، من أهل المدينة ومن حولها من الأعراب، ورغبتهم بأنفسهم عن مشاركته في المشاق التي تعرض لها، فقال: {ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ.}. أي ما كان ينبغي لأهل المدينة المؤمنين، ومن حولهم من قبائل العرب المجاورة لها؛ كمزينة وجهينة وأشجع وغفار وأسلم، التخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم في غزوة تبوك، بل عليهم أن يصحبوه، فإن النفير كان فيهم، وخص هؤلاء بالعتاب لقربهم وجوارهم، وأنهم أحق بذلك من غيرهم، بل إن المراد من النص النهي عن التخلف، والتوبيخ عليه؛ لأن المتخلف يؤثر نفسه على نفس رسول الله صلى الله عليه وسلّم التي لا بد من إيثارها وحبها أكثر من حب النفس.

وظاهر هذه الألفاظ‍ وجوب الجهاد على كل هؤلاء إلا أصحاب الأعذار بدليل العقل، وبقوله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها} [البقرة ٢٨٦/ ٢] وقوله أيضا: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ.}. [النور ٦١/ ٢٤] ولا يقصد بهذا وجوب الجهاد عينا على كل واحد، فقد دل الإجماع على أن الجهاد فرض كفاية،

<<  <  ج: ص:  >  >>