{وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ} أي وقتلت أيضا رجلا منا، وهو ذلك القبطي الذي وكزته فقضيت عليه، وهو من أتباعي، فإنه كان خباز فرعون، وكنت من جاحدي النعمة، وهذا لا يليق في أخلاق الرجال من الوفاء وردّ الجميل.
فأجاب موسى عن قضية القتل، وترك أمر التربية المعلومة الظاهرة والتي لم ينكرها موسى، لأن الرسول مطالب بتبليغ الرسالة سواء كان المرسل عليه أنعم عليه أم لا، والإعراض عن مثل هذا الكلام أولى، إذ لا مكابرة فيه.
{قالَ: فَعَلْتُها إِذاً، وَأَنَا مِنَ الضّالِّينَ} أي قال موسى لفرعون: فعلت تلك الفعلة السيئة وهي قتل القبطي في تلك الحال، وأنا من المخطئين لا المتعمدين قبل أن يوحى إلى وينعم الله علي بالرسالة والنبوة كمن يقتل خطأ من غير تعمد للقتل، أو: وأنا من الجاهلين بأن ضربتي تؤدي إلى القتل، فإني تعمدت الوكز دفاعا وتأديبا، فأدى ذلك إلى القتل، وهو ما يسمى في القوانين الحديثة بالضرب المفضي إلى الموت. أي إن القتل الذي تعاتبني عليه لم يكن مقصودا مني.
{فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمّا خِفْتُكُمْ، فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً، وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ} أي فولّيت هاربا إلى مدين خوفا من بأسكم، حين أخبرني رجل، فقال لي:
{إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ}[القصص ٢٠/ ٢٨] وجاء أمر آخر وهو أن الله منحني فهما وعلما وحكمة (١)، وأرسلني إليك، فإن أطعته سلمت، وإن خالفته هلكت.
(١) قال الرازي: الأقرب أن الحكم غير النبوة، والنبوة مفهومة من قوله: وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ فالمراد بالحكم: العلم، ويدخل في العلم: العقل والرأي والعلم بالدين الذي هو التوحيد.