ولو أنهم عملوا من غير تحريف ولا تبديل ولا تغيير بما في التوراة والإنجيل المنزّلين من عند الله بأصل التوحيد، المبشّرين بالنبي من ولد إسماعيل، وعملوا بما أنزل على النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم وهو القرآن، لوسّع الله عليهم رزقهم، وأنزل عليهم من خيرات السماء، وأخرج لهم من بركات الأرض، كما قال تعالى:{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ}[الأعراف ٩٦/ ٧] قال ابن عباس: {لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ} يعني لأرسل السماء عليهم مدرارا {وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ} يعني يخرج من الأرض بركاتها.
ثم ذكر تعالى أن أهل الكتاب ليسوا سواء في اعتقادهم وأفعالهم فقال:
{مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ، وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ ساءَ ما يَعْمَلُونَ} أي جماعة معتدلة في أمر الدين كعبد الله بن سلام وأصحابه من اليهود، والنجاشي وأمثاله من النصارى، وكثير غالب منهم فاسقون خارجون عن أصول الدين، وبئس العمل عملهم.
وهناك نظائر لهذه الآية التي تشهد لبعض أهل الكتاب بالاعتدال مثل قوله تعالى عن بعض اليهود:{وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ}[الأعراف ١٥٩/ ٧] وقوله تعالى عن أتباع عيسى: {فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ، وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ}[الحديد ٢٧/ ٥٧].
فقه الحياة أو الأحكام:
غريب أمر اليهود وطبعهم، فإنهم ما تركوا فعل فاحشة أو منكر إلا اقترفوه، ولم يسلم منهم الأنبياء فقتلوهم، بل امتد أذاهم وخزيهم إلى الله عز وجل، فقال بعضهم: إن الله بخيل، ويد الله مقبوضة عنا في العطاء.
لكن غلت أيديهم في الآخرة، وحجبهم الله عن الخير والبر ولعنهم وطردهم من رحمته في الدنيا بدعائه عليهم بقوله:{غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا}.