{بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ} لما حدث من إهلاك الأقوام، فلا يرعوون عن تكذيبهم، ومعنى الجملة والإضراب: أن حال كفار قريش أعجب من الأمم السابقة، فإنهم سمعوا قصتهم، ورأوا آثار هلاكهم، وكذبوا أشد من تكذيبهم. {وَاللهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ} لا يفوتونه، ولا عاصم لهم منه، فهم في قبضته وحوزته. {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ} عظيم معظم، والمعنى: بل هذا الذي كذبوا به كتاب شريف، وحيد في النظم والمعنى. {فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} من الزيادة والنقص، والتغيير والتحريف.
المناسبة:
بعد بيان وعيد الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات، ووعد الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وجزاء كل فريق، أكّد الله تعالى الوعد والوعيد بما يدل على تمام قدرته على ذلك. ثم بيّن أن حال الكفار في كل عصر، مع الأنبياء، شبيه بحال أصحاب الأخدود، في إلحاق أذى الكفار بالمؤمنين، فهم دائما في صراع معهم وعداوة وإيذاء. والقصد من هذا كله ترهيب الكفار، وتثبيت المؤمنين على إيمانهم، وشدّ عزائمهم بالصبر، وتطمينهم بأن كفار قريش سيلقون مثلما أصاب الأقوام السابقة: فرعون وأتباعه وثمود.
التفسير والبيان:
{إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ} أي إن جزاء ربك وانتقامه من الجبابرة والظلمة، ومن أعدائه الذين كذبوا رسله، وخالفوا أمره، لشديد عظيم قوي، مضاعف إذا أراد، فإنه تعالى ذو القوة المتين، الذي ما شاء كان، ويكون ما يريد مثل لمح البصر أو هو أقرب. وفي هذا تأكيد للوعيد، وإرهاب لكفار قريش وأمثالهم.
ثم زاد الأمر تأكيدا بقوله:
{إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ} أي إنه تعالى تام القدرة، فهو الذي يبدأ الخلق ويخلقهم أولا في الدنيا، ثم يعيدهم أحياء بعد الموت. أو هو الذي يبدأ البطش