وجوههم؟ قال:«إن الذي أمشاهم على أقدامهم، قادر على أن يمشيهم على وجوههم». وفيه التفات من الغيبة إلى التكلم.
{عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا} قال البيضاوي: لا يبصرون ما يقر أعينهم، ولا يسمعون ما يلذ مسامعهم، ولا ينطقون بما يقبل منهم؛ لأنهم في دنياهم لم يستبصروا بالآيات والعبر، وتصاموا عن استماع الحق، وأبوا أن ينطقوا بالصدق. ويجوز أن يحشروا بعد الحساب من الموقف إلى النار معطّلي القوى والحواس.
{كُلَّما خَبَتْ} سكن لهبها بأن أكلت جلودهم ولحومهم {زِدْناهُمْ سَعِيراً} توقدا وتلهبا واشتعالا، بأن تبدل جلودهم ولحومهم، فتعود ملتهبة مستعرة «ورفاتا» ما بلي من الشيء.
{أَوَلَمْ يَرَوْا} يعلموا فهي رؤية القلب، وهو استفهام إنكار وتوبيخ لهم على ما كانوا يستبعدونه من الإعادة بعد الإفناء {قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ} فإنهم ليسوا أشد خلقا منهم، وليست الإعادة أصعب عليه من الإبداء {وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً} للموت والبعث {فَأَبَى الظّالِمُونَ} مع وضوح الحق {إِلاّ كُفُوراً} إلا جحودا {خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي} خزائن رزقه وسائر نعمه، والمطر من أهم المصادر {لَأَمْسَكْتُمْ} لبخلتم {خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ} خوف نفادها بالإنفاق {قَتُوراً} بخيلا.
المناسبة:
بعد أن أنكر المشركون الآية الباقية التي هي القرآن وسائر الآيات، وليست بدون ما اقترحوه، بل هي أعظم، أخبر الله تعالى عن السبب الواهي الضعيف الذي منعهم من الإيمان، وهو استبعاد أن يبعث الله رسولا إلى الناس واحدا بشرا منهم، ولم يكن ملكا. فهذه شبهة أخرى وهي استبعاد كون الرسل بشرا، بعد الرد عليهم بأن وظيفة الرسل إبلاغ الناس، وليس تلبية اقتراح الآيات، ثم الرد على شبهتهم بأن الرسول يكون عادة من جنس المرسل إليهم.
ثم ذكر شبهة أخرى أيضا وهي إنكار البعث، ولما أنكروا البعث، نبّههم تعالى على عظيم قدرته وباهر حكمته، بخلق السموات والأرض.
ولما طلب المشركون إجراء الأنهار والعيون في بلدهم لتكثر أقواتهم وتتسع عليهم، بيّن تعالى أنهم لو ملكوا خزائن رحمة الله، لبقوا على بخلهم وشحهم، ولما أقدموا على نفع أحد.