للمشركين هذه المقالة، مبينا لهم أنه قد أتم أمر الدعوة، وقد كملت، ولم يبق عليه إلا الاشتغال بعبادة الله وحده لا شريك له، وبحمده وشكره على نعمه العظمى، وبتلاوة القرآن، أي أن مهمة إعلان الدعوة من جانبه انتهت، وبقي عليهم التفكير في الاستجابة لهذه الدعوة، وتدبر آي القرآن التي تكفي في إرشادهم، وأنها إن لم تفدهم فقد أفادته، فسواء قبلتم هذه الدعوة أو أعرضتم عنها، فإني مصرّ عليها، غير مرتاب فيها.
التفسير والبيان:
قل:{إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها} أي قل لهم أيها الرسول: إنما أمرت أن أعبد رب مكة الذي حرمها على الناس، فجعلها شرعا وقدرا حرما آمنا، لا يسفك فيها دم، ولا يظلم فيها أحد، ولا يصاد فيها صيد، ولا يعضد شجرها، ولا ينفّر طيرها، ولا يخوّف فيها خائف، يجبى إليها ثمرات الدنيا من كل ناحية.
وخص مكة بالذكر تشريفا لها، لأن أول بيت وضع للعبادة كان فيها، كما قال تعالى:{فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ، وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ}[قريش ٣/ ١٠٦ - ٤]. وفي هذا توبيخ لأهل مكة على ترك عبادة الله، والاتجاه نحو عبادة الأصنام.
وقد أبان النبي صلّى الله عليه وسلم مظاهر تحريم مكة،
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم يوم فتح مكة: «إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، لا يعضد