وقال محمد بن إسحاق: لما انصرف أهل الخندق عن الخندق قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيما بلغنا: «لن تغزوكم قريش بعد عامكم هذا، ولكنكم تغزونهم» فلم تغز قريش بعد ذلك، بل غزاهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعد ذلك، حتى فتح الله تعالى مكة.
وكان الله قويا عزيزا، أي غير محتاج إلى قتالهم، قادرا على استئصال الكفار وإذلالهم، ردهم بحوله وقوته خائبين، لم ينالوا خيرا، وأعز الله الإسلام وأهله.
خامسا-حصار بني قريظة:
{وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ} أي وأنزل الله يهود بني قريظة الذين هم من أهل الكتاب والذين عاونوا الأحزاب من حصونهم وقلاعهم.
وذلك لأنهم بمسعى حيي بن أخطب النضيري نقضوا عهدهم الذي كان بينهم وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؛ إذ لم يزل بسيدهم كعب بن أسد حتى نقض العهد، وقال له فيما قال: ويحك قد جئتك بعزّ الدهر، أتيتك بقريش وأحابيشها، وغطفان وأتباعها، ولا يزالون هاهنا حتى يستأصلوا محمدا وأصحابه، فقال له كعب: بل والله أتيتني بذل الدهر، ويحك يا حيي، إنك مشؤوم، فدعنا منك، فلم يزل يفتل له في الذروة والغارب (أي يخادعه) حتى أجابه، واشترط له حيي إن ذهب الأحزاب، ولم يكن من أمرهم شيء أن يدخل معهم في الحصن، فيكون أسوتهم.
فلما أيد الله تعالى رسوله والمسلمين، وكبت أعداءهم، وردهم خائبين بأخسر صفقة، ورجعوا إلى المدينة،