للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المستضعفين الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون إلى الهجرة سبيلا. والحقيقة أن الولدان لا يكونون إلا عاجزين عن الهجرة.

فهؤلاء يرجى أن يعفو الله عنهم، ولا يؤاخذهم بترك الهجرة والإقامة في دار الشرك. وفي هذا إيماء إلى أن ترك الهجرة ذنب كبير.

وكان شأن الله تعالى العفو عن الذنوب، والمغفرة بستر العيوب في الآخرة.

وتساءل الزمخشري: لم قيل: {عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ} بكلمة الإطماع؟ ثم أجاب قائلا: للدلالة على أن ترك الهجرة أمر مضيق لا توسعة فيه، حتى إن المضطر البيّن الاضطرار من حقه أن يقول: عسى الله أن يعفو عني، فكيف بغيره؟ (١).

ثم رغب الله تعالى في الهجرة تنشيطا للمستضعفين فذكر: أن من يهاجر في سبيل الله، أي بقصد مرضاته وإقامة دينه كما يجب، يجد في أرض الله الواسعة مراغما كثيرا أي مهاجرا (مكانا للهجرة) وطريقا يراغم بسلوكه قومه، أي يفارقهم على رغم أنوفهم، والرغم: الذل والهوان، وأصله: لصوق الأنف بالرغام وهو التراب. ويجد مأوى فيه الخير والسعة، عدا النجاة من الذل والاضطهاد.

فالمراغم الكثير: يعني المتزحزح عما يكره. والسعة: الرزق.

وفي هذا وعد من الله للمهاجرين بتسهيل سبل العيش لهم وإرغام أعدائهم والنصر عليهم، وهو كله للترغيب في الهجرة.

ثم وعد الله تعالى من يخرج من منزله بنية الهجرة تاركا الوطن والأهل والمال، ثم يموت في أثناء الطريق قبل الوصول إلى المدينة، وعده بالأجر العظيم والثواب عند الله على الهجرة أي وجب ثوابه عليه ووقع، وعلم الله كيف يثيبه.


(١) الكشاف: ٤٢٠/ ١

<<  <  ج: ص:  >  >>