ولهذا لما ضاق على المستضعفين بمكة مقامهم فيها، خرجوا مهاجرين إلى أرض الحبشة، ليأمنوا على دينهم هناك، فوجدوا خير المنزلين لدى أصحمة النجاشي ملك الحبشة رحمه الله تعالى، فآواهم وأيدهم بنصره، ثم هاجر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والصحابة الباقون إلى المدينة المنورة.
وبعد أن أمر الله تعالى عباده بالحرص على العبادة والإخلاص فيها وصدق الاهتمام بها، أبان أن الدنيا ليست بدار بقاء، وأمر بالاستعداد إلى دار الجزاء، فقال:
{كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ} أي إن الموت كائن لا محالة بكل نفس، وأينما كنتم يدرككم الموت، فكونوا في طاعة الله، وحيث أمركم الله، فهو خير لكم، فإن الموت لا بدّ منه ولا محيد عنه، سواء في الوطن أو خارجه، ثم إلى الله المرجع والمآب، فمن كان مطيعا له جازاه أفضل الجزاء، ووافاه أتم الثواب.
والخلاصة: أن المكروه لا بد من وقوعه، فلا يصح أن يصعب على المؤمنين ترك الأوطان ومفارقة الإخوان.
ثم بيّن الله تعالى نوع جزاء المؤمن المهاجر بدينه، فرارا من الشرك والمعاصي فقال:
{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ، خالِدِينَ فِيها، نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ} أي والذين صدقوا بالله ورسوله، وعملوا صالح الأعمال من التزام أوامر الله واجتناب نواهيه، لننزلنهم أو لنسكننهم منازل عالية في الجنة تجري من تحت أشجارها الأنهار، على اختلاف أصنافها من ماء وخمر وعسل ولبن، ماكثين فيها أبدا، لا يبغون عنها حولا، جزاء لهم على أعمالهم، نعم الجزاء، ونعمت هذه الغرف أجرا على أعمال المؤمنين.