عنها، ولأن قولهم لو كان صحيحا لما عاقبهم الله تعالى على كفرهم؛ لأن الله عادل، فلو كانت أعمالهم المكفّرة صادرة عنهم بإجبار أو إكراه وقهر، لما استحقوا العقاب عليها، ولما كرر تعالى قوله في القرآن مثلا: أخذناهم بذنوبهم، وأهلكناهم بظلمهم وكفرهم.
وهو معنى قوله:{حَتّى ذاقُوا بَأْسَنا} أي حتى أنزلنا عليهم العذاب بتكذيبهم، مما يدل على أن كفرهم وتحليلهم وتحريمهم كان باختيارهم وإرادتهم، وإن كان الله تعالى قادرا على تغيير موقفهم، بأن يلهمهم الإيمان، ويحول بينهم وبين الكفر، وأن ذلك الموقف هو أيضا بإرادة الله؛ لأنه لا يقع شيء في الكون بدون مشيئة الله وإرادته.
ثم أمر الله تعالى رسوله أن يطالبهم بالبرهان على ما زعموا فقال:{قُلْ:}
{هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ..}. أي هل لديكم أمر معلوم وبرهان واضح يصح الاحتجاج به فيما قلتم، فتخرجوه لنا أي تظهرونه وتبينونه لنا لنفهمه؟ وهذا الاستفهام تهكم وإظهار بأن مثل قولهم محال أن يكون له حجة، وتوبيخ لهم على ما يزعمون.
وحقيقة حالهم هي ما قال تعالى:{إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ..}. أي لا حجة ولا برهان على ما تقولون، وما تتبعون إلا الوهم والخيال والاعتقاد الفاسد، وما أنتم إلا تكذبون على الله فيما ادعيتموه.
ثم أثبت الله تعالى لذاته الإتيان بالدليل الساطع المبين للدين الحق فقال:
{قُلْ: فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ.}. أي قل أيها الرسول لهؤلاء المشركين الجاهلين بعد إفلاسهم وعجزهم عن الإتيان بدليل مقنع: لله تعالى الحجة التامة الكاملة على ما أراد من إثبات الحقائق وإبطال الباطل، وتقرير أصول الاعتقاد، وتشريع الأحكام الصائبة، وإلغاء ما تذهبون إليه بالآيات الكثيرة والمعجزات التي أيد بها الرسل.