{قالَ: ذلِكَ ما كُنّا نَبْغِ} قال موسى: ذلك أي فقد الحوت هو الذي كنا نطلبه، فإنه علامة لنا على وجود من نطلبه. {فَارْتَدّا} رجعا. {عَلى آثارِهِما} أي على طريقهما الذي جاءا منه. {قَصَصاً} أي يقصان الطريق قصصا، أي يتبعان آثارهما اتباعا، أو مقتصين، حتى أتيا الصخرة.
{فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا} هو في رأي الجمهور الخضر، واسمه بليا بن ملكان. {آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا} أي ولاية، في رأي أكثر العلماء، وقيل: وحيا ونبوة. {وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنّا عِلْماً} من قبلنا معلوما من المغيبات.
{هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ} على شرط أن تعلّمني. {مِمّا عُلِّمْتَ رُشْداً} أي تعلمني بعض ما علمت علما ذا رشد، أو صوابا أرشد به، والرشد: إصابة الخير. ولا ينافي نبوته وكونه صاحب شريعة أن يتعلم من غيره ما لم يكن شرطا في أبواب الدين، فإن الرسول ينبغي أن يكون أعلم ممن أرسل إليه، فيما بعث به من أصول الدين وفروعه، لا مطلقا. وقد راعى موسى في ذلك الطلب للتعلم غاية التواضع والأدب، فاستجهل نفسه، واستأذن أن يكون تابعا للعبد الصالح، وسأل منه أن يرشده وينعم عليه بتعليم بعض ما أنعم الله عليه؛ لأن الزيادة في العلم مطلوبة.
ما لم تخبر حقيقته. {وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً} أي وغير عاص لك أمرا تأمرني به، وقيد الوعد على الصبر بالمشيئة؛ لأنه لم يكن على ثقة من نفسه فيما التزم، وهي عادة الأنبياء ألا يثقوا بأنفسهم طرفة عين. وفيه دليل على أن أفعال العباد واقعة بمشيئة الله تعالى.
{فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ} تنكره مني في علمك، أي فلا تفاتحني بالسؤال عن شيء أنكرته مني، ولم تعلم وجه صحته. {حَتّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً} بيانا، أي حتى أبتدئك ببيانه، وأذكره لك بعلته، فقبل موسى شرطه، رعاية لأدب المتعلم مع العالم.
{فَانْطَلَقا} يمشيان على ساحل البحر. {رَكِبا فِي السَّفِينَةِ} التي مرت بهما. {خَرَقَها} ثقبها الخضر، بأن اقتلع لوحا أو لوحين منها من جهة البحر بفأس، حينما سارت في ثبج البحر ولججه. {قالَ: أَخَرَقْتَها} قال له موسى: {أَخَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها؟} فإن خرقها سبب لدخول الماء فيها، المفضي إلى غرق أهلها. {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً} أتيت أمرا عظيما منكرا، من أمر الأمر، أي عظم وكثر، روي أن الماء لم يدخلها.
{لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ} بالذي نسيته أو بشيء نسيته، يعني وصيته بأن لا يعترض عليه، وهو اعتذار بالنسيان، أخرجه في معرض النهي عن المؤاخذة مع قيام المانع لها. {وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً} لا تكلفني عسرا ومشقة، في صحبتي إياك، أي عاملني بالعفو واليسر.