ومعنى {يَقْضِي} .. {بِحُكْمِهِ} أي يقضي يوم القيامة بما يحكم به وهو عدله، لأنه لا يقضي إلا بالعدل، فسمى المحكوم به حكما، أو أراد أنه يقضي بحكمته.
الثاني-أمر النبي بالتوكل على الله وقلة المبالاة بأعداء الدين:{فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ، إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ} أي ثق بالله واعتمد عليه وفوض جميع أمورك إليه، وبلّغ رسالة ربك، ولا تلتفت إلى أعداء الله، فإنك أنت على الحق الواضح، وإن خالفك فيه من خالفك من أهل الشقاء. وهذه هي العلة الأولى للتوكل على الله، ثم علل ذلك بعلة أخرى فقال:
{إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ، إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ} أي إنك لا تستطيع أن تسمعهم شيئا ينفعهم، فهم حين توليهم مدبرين معرضين عنك كالموتى لا يتأثرون بما يتلى عليهم ولا يفهمونه، وكالصم الذين لا أمل في سماعهم فلا يسمعون بحال، وكالعمي الذين لا يبصرون ولا يلتفتون إلى شيء أصلا؛ لأن على قلوبهم غشاوة، وفي آذانهم وقر الكفر، وفي نفوسهم استعلاء واستكبارا عن الرضوخ للحق. وفي هذه العلة الثانية قطع طمع النبي عن الكفار، فيقوى قلبه على إظهار مخالفة أعداء الله، بأن بيّن له أنهم كالموتى وكالصم وكالعمي، فلا يفهمون ولا يسمعون ولا يبصرون ولا يلتفتون إلى شيء من الدلائل، ولأن الإنسان ما دام يطمع في أن يأخذ من أحد شيئا، فإنه لا يجرأ على مخالفته.
وهذا سبب قوة قلبه عليه الصلاة والسلام على إظهار الدين كما ينبغي.
ومعنى قوله:{إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ} تأكيد لحال الأصم؛ لأنه إذا تباعد وأدبر عن الداعي كان أبعد عن إدراك صوته.
والخلاصة: إنه تعالى أمر رسوله بالتوكل عليه والإعراض عما سواه؛ لأنه على الحق المبين، وغيره على الباطل، ولأنه لا أمل ولا مطمع في مساندة المشركين، ولا في استجابتهم لدعوة الحق.