السموات والأرض من العقلاء وغيرهم من الملائكة والإنس والجن والجمادات، ومنها الطير الباسطات القابضات أجنحتها حال طيرانها في جو السماء لكيلا تسقط، تنزيها يدركه المتأمل بعقله السليم؛ إذ تكوينها بخصائصها المتفاوتة يدل بذاته على وجود الخالق لها.
والتنزيه يدل على اتصاف الخالق بجميع صفات الكمال، ويبطل قول الكفار الذين جعلوا الجمادات شركاء لله، ونسبوا إليه الولد، وهي من مخلوقاته وإيجاده. قال مجاهد وغيره: الصلاة للإنسان، والتسبيح لما سواه من الخلق.
وذكر الطير مع دخولها بما سبق لما فيها من دلالة خاصة على بديع الصنع الإلهي، وكمال القدرة الإلهية، ولطف التدبير لمبدعها؛ لأن وقوف الأشياء الثقيلة في الجو أثناء الطيران حجة واضحة على كمال قدرة الخالق المبدع.
والافتتاح بقوله {أَلَمْ تَرَ} يشير إلى أن تسبيح الكائنات لله عزّ وجلّ أمر واضح يصل إلى حد العلم الذي لا شك فيه.
{كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ، وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ} أي كل واحد مما ذكر قد علم الله صلاته وتسبيحه، أي أرشده إلى طريقته ومسلكه في عبادة الله عزّ وجلّ. والله عالم بجميع ذلك لا يخفى عليه شيء من أفعالهم، سواء في حال الطاعة أو المعصية، ومجازيهم عليها.
{وَلِلّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ} أي إن الله تعالى مالك جميع ما في السموات والأرض، وهو الحاكم المتصرف فيهما خلقا وإماتة، وهو الإله المعبود الذي لا تنبغي العبادة إلا له، ولا معقّب لحكمه، وإليه وحده مصيرهم ومعادهم يوم القيامة، فيحكم فيه بما يشاء، ويجازي بما أراد، كقوله تعالى: