للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أي وكما جعلنا لك يا محمد أعداء يخالفونك ويعادونك ويعاندونك، جعلنا لكلّ نبيّ من قبلك أيضا أعداء، فلا يحزنك ذلك، كما قال تعالى: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ، فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا} [الأنعام ٣٤/ ٦]، وقال تعالى:

{وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ} [الفرقان ٣١/ ٢٥]، وقال ورقة بن نوفل لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيما رواه البخاري ومسلم: «إنه لم يأت أحد قطّ‍ بمثل ما جئت به إلا عودي» أي أنّ سنّة الله جرت على أن يكون بعض الناس أعداء للأنبياء وورثتهم، وكلّ أصحاب دعوات الإصلاح في الأمور الدّينيّة والاجتماعيّة، وهذا ما يعبّر عنه بتنازع البقاء وبقاء الأصلح، كما قال تعالى:

{فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً، وَأَمّا ما يَنْفَعُ النّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} [الرّعد ١٧/ ١٣].

والعداوة سواء من شياطين الإنس والجنّ، قال مجاهد وعكرمة وقتادة والحسن البصري: من الجنّ شياطين، ومن الإنس شياطين، يوحي بعضهم إلى بعض.

وقال قتادة: بلغني أن أبا ذر كان يوما يصلّي، فقال له النّبي صلّى الله عليه وسلّم:

«تعوّذ يا أبا ذرّ من شياطين الإنس والجنّ» فقال: أو إن من الإنس شياطين؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «نعم» (١). وجاء في سورة البقرة: {وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا: إِنّا مَعَكُمْ} [١٤].

ثم ذكر تعالى أثر عداوة الشّياطين للأنبياء، وهو مقاومتهم دعوة الله وهدايته، فقال: {يُوحِي بَعْضُهُمْ.}. أي يلقي بعضهم إلى بعض القول المزيّن المزخرف، وهو المزوّق الذي يغتّر سامعه من الجهلة بأمره، وينخدع ويميل إلى رأي القائل، ويتأثّر بإغراء الشياطين بالمعاصي. والوحي: الإيماء والقول السريع، والزّخرف: الذي يكون باطنه باطلا، وظاهره مزيّنا خادعا.


(١) ذكره الطبري وابن كثير، ثم قال الأخير: وهذا منقطع بين قتادة وأبي ذرّ، وقد روي من وجه آخر عن أبي ذرّ رضي الله عنه (تفسير الطّبري: ٥/ ٨، تفسير ابن كثير: ١٦٦/ ٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>