للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكن أكثر هؤلاء المشركين يجهلون أن الإيمان إليهم والكفر بأيديهم، متى شاؤوا آمنوا ومتى شاؤوا كفروا، وليس ذلك كما يظنون، لا يؤمن منهم إلا من هديته له فوفقته، ولا يكفر إلا من خذلته عن الرّشد فأضللته. هذا ما يراه الطبري (١) وهو الظاهر الرّاجح.

ويرى الزّمخشري: ولكن أكثر المسلمين يجهلون أن هؤلاء لا يؤمنون إلا أن يضطرهم الله، فيطمعون في إيمانهم إذا جاءت الآية المقترحة (٢). يعني أن المعتزلة يرون أن المستثنى هو الإيمان الاضطراري، وأن الضمير في قوله: {وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ} عائد في رأي الزمخشري إلى المسلمين لا إلى الكفار، والمعتزلة يقولون:

المراد: أنهم أي المشركون جهلوا أنهم يبقون كفارا عند ظهور الآيات التي طلبوها، والمعجزات التي اقترحوها، وكان أكثرهم يظنون ذلك. وأهل السّنّة يقولون: المراد: يجهلون بأنّ الكلّ من الله وبقضائه وقدره (٣).

قال ابن عباس: المستهزئون بالقرآن كانوا خمسة: الوليد بن المغيرة المخزومي، والعاصي بن وائل السّهمي، والأسود بن عبد يغوث الزهري، والأسود بن المطلب، والحارث بن حنظلة، أتوا الرّسول صلّى الله عليه وسلّم في رهط‍ من أهل مكة، وقالوا له: أرنا الملائكة يشهدون بأنك رسول الله، أو ابعث موتانا حتى نسألهم، أحقّ ما تقوله أم باطل؟ أو ائتنا بالله والملائكة قبيلا، أي كفيلا على ما تدّعيه، فنزلت الآية (٤).

ثمّ أراد الله تعالى التّخفيف على نبيّه ومواساته وتسليته، فأبان أنّ سنّته في الخلق أن يكون للأنبياء عدوّ من الجنّ والإنس، فقال: {وَكَذلِكَ جَعَلْنا..}.


(١) تفسير الطّبري: ٢/ ٨
(٢) الكشّاف: ٥٢٤/ ١
(٣) تفسير الرّازي: ١٥٢/ ١٣
(٤) المرجع السابق: ١٤٩/ ١٣ - ١٥٠

<<  <  ج: ص:  >  >>