والمعنى: ولو أننا أجبنا سؤال هؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم: لئن جاءتهم آية ليؤمننّ بها، فنزلنا عليهم الملائكة، تخبرهم بالرّسالة من الله، بتصديق الرّسل كما سألوا، فقالوا:{أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً}[الإسراء ٩٢/ ١٧] و {قالُوا: لَنْ نُؤْمِنَ حَتّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ}[الأنعام ١٢٤/ ٦] ما آمنوا بمحمد صلّى الله عليه وسلّم وبالقرآن.
وبعبارة أخرى: لو أنّنا نزّلنا إليهم الملائكة، فرأوهم بأعينهم مرة بعد أخرى، وسمعوا شهادتهم لك بالرّسالة؛ ولو كلّمهم الموتى بأن نحييهم، فيخبروهم بصدق ما جاءتهم به الرّسل كما طلبوا:{فَأْتُوا بِآبائِنا}[الدّخان ٣٦/ ٤٤]، وحشرنا، أي وجمعنا كلّ شيء من الآيات والدّلائل معاينة ومواجهة، فيخبرونهم بصدق الرّسل فيما جاؤوا به، وقيل:{قُبُلاً} كفلاء بصحّة ما بشّرنا به وأنذرنا، أو جماعات تعرض عليهم كلّ جماعة بعد أخرى، ما كان شأنهم به يؤمنوا، وليس عندهم الاستعداد أن يصدّقوا؛ لأنهم لا ينظرون في الآيات نظر تأمّل وهداية وعظة، وإنما ينظرون إليها نظر معاداة واستهزاء، لا يؤمنون إلا بمشيئة الله، أي لا يؤمنون ما داموا على صفاتهم، إلاّ أن يزيلها الله تعالى إن شاء، فالهداية مقدور عليها من الله، ولكنه تعالى يتركهم وشأنهم بعد أن بصّرهم بطرق الخير والانتفاع بهدي القرآن.
فالمراد بقوله:{ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا} أي ما كانوا ليؤمنوا على سبيل الاختيار، والمراد من قوله:{إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللهُ} هو الإيمان الاختياري، وليس الإيمان الاضطراري، كما قال الرّازي؛ لأن المستثنى يجب أن يكون من جنس المستثنى منه، والإيمان الحاصل بالإلجاء والقهر ليس من جنس الإيمان الاختياري (١).