كلّ الآيات معاينة ومواجهة، فإنهم لن يؤمنوا، لتأصّلهم في الكفر، وفقد استعدادهم للإذعان بالحقّ، فأكثر المشركين يجهلون الحقّ ولا يعرفونه.
ومن سنّته تعالى في الخلق ظهور أعداء من الإنس والجنّ للأنبياء وأتباعهم، لأنّ الحقّ يعرف بضدّه من الباطل.
وأهل الباطل يصغون أسماعهم لما يوسوس به شياطين الجنّ وشياطين الإنس، ويقتنعون بالقول المزيّن المغشوش الذي لا مصداقيّة له ولا صحّة، ولا بقاء ولا استقرار.
قال مالك بن دينار: إن شيطان الإنس أشدّ عليّ من شيطان الجنّ، وذلك أنّي إذا تعوّذت بالله، ذهب عنّي شيطان الجنّ، وشيطان الإنس يجيئني فيجرّني إلى المعاصي عيانا.
والله قادر على تحويل المشركين إلى مؤمنين، ولكن حكمته ومشيئته وإرادته اقتضت ترك الاختيار إليهم، ليكون الجزاء عدلا مطابقا للواقع.
ودلّ قوله تعالى:{ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللهُ} على أنه تعالى ما شاء منهم الإيمان، فهم لا يؤمنون إلا أن يشاء الله إيمانهم.
ومآل القول المزخرف المزيّن وهو الباطل وعاقبته أنه يستمع إليه ويميل إليه غير المؤمنين بالآخرة، ويرضون به، ويؤدي بهم إلى اكتساب المعاصي واقتراف السّيئات واجتراح الذّنوب.
وهكذا فإن عقاب العصاة بسبب ذنوبهم وسيئاتهم، وليس لله حاجة في تعذيبهم والتّنكيل بهم، وإنّما العقاب أمر يقتضيه العدل المطلق للتّمييز بين المحسنين الأبرار وبين المسيئين الأشرار، فلا يعقل التّسوية بين من لازم الطاعة، فعمل والتزم أوامر الله، وبين من قارف المعصية، فأعرض واستكبر، وعتا