{كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ}. وهذا فيه استثارة للتأمل والتفكير في نفس السامع؛ إذ يدعو صاحبه إلى النظر في حقيقة حاله وعيوب نفسه.
ثم انتقل الله تعالى ببيانه من وصف حال الضعفاء إلى بيان مركز الأقوياء، ومن دائرة الهبوط في دائرة التخلف عن القيام بالواجب إلى الصعود إلى مرتبة يمكن فيها تطهير النفوس من ذلك الذنب العظيم: ذنب التقاعس عن القتال.
فحرض عباده المؤمنين على الجهاد في سبيله، وعلى السعي في استنقاذ المستضعفين بمكة أو غيرها من الرجال والنساء والصبيان المتبرمين من القيام بها.
فليقاتل في سبيل الله ولإعلاء كلمته ولنصرة دينه-دين الحق والتوحيد، والعدل والكرامة، والقوة والمدنية: من يبيع دنياه الفانية بالآخرة الباقية، حتى يحقق علو كلمة الله، فيجعل كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى، والله عزيز حكيم.
ثم رغّب الله تعالى في القتال بعد الأمر به ببيان الثواب عليه، فمن يقاتل في سبيل الله، فيغلبه عدوه، أو يغلب هو العدو، فإن الله سيؤتيه ثوابا عظيما هو الجنة والأجر الحسن. وهذا يدلّ على شرف الجهاد والمجاهدة، وقد عانى المسلمون أشدّ البلاء من الكفار في مكة قبل الفتح، مثلما حدث لبلال وصهيب وعمار وأسرته.
ثم زاد الترغيب في الجهاد بنفي الأعذار، فأي عذر لكم يمنعكم عن القتال في سبيل الله لإحلال التوحيد محل الشرك، والخير محل الشّر، والعدل والرّحمة في موضع الظلم والقسوة، وعن إنقاذ المستضعفين إخوانكم في الدّين رجالا ونساء وصبية الذين منعهم كفار قريش من الهجرة وفتنوهم عن دينهم. والتحدث عن هؤلاء يثير النخوة ويهزّ الأريحية ويوقظ الشعور بالواجب والتفاني من أجل رفع الظلم عن الضعفاء.