بل إن حكم التوراة عكس ذلك، فإنها توجب الوفاء بالعقود، وتأمر بوفاء الأمانات، وقال الله لهم: بلى عليهم في الأميين سبيل العذاب بكذبهم، واستحلالهم أموال العرب، فمن اقترض إلى أجل، أو باع بثمن مؤجل، أو اؤتمن على شيء مثلا، وجب عليه الوفاء به، وأداء الحق لصاحبه في حينه، دون حاجة إلى إلحاح في الطلب أو تقاض، وهكذا فإن كل من أوفى بما عاهد عليه، واتقى الله في ترك الخيانة والغدر، فإن الله يحبه ويرضى عنه؛ لأن الله عهد إلى الناس في كتبه أن يلتزموا الصدق والوفاء بالعهود والعقود.
وليس العهد مقصورا على الوفاء بالعقود والالتزامات وأداء الأمانات وإنما يشمل أيضا عهد الله تعالى: وهو الوفاء بما التزم به المؤمن من تكاليف وأوامر وواجبات شرعية. ولو وفي اليهود بعهودهم لآمنوا بالنبي صلّى الله عليه وسلّم، ولو أنصفوا لما فرقوا في وفاء العهد بين اليهودي وغيره.
ثم بيّن الله تعالى جزاء الذين يخونون العهد، ويكتمون ما أنزل الله، ويبدلون بالحق الباطل، ويستبدلون بكلام الله وأوامره عوضا حقيرا، وثمنا قليلا: وهو متاع الدنيا من الترؤس والارتشاء ونحو ذلك، ذلك الجزاء هو خسارة نعيم الآخرة، واستحقاق غضب الله وسخطه، وعدم الثناء عليهم، وانعدام الإحسان إليهم والرحمة بهم، والاستهانة بأحوالهم وأوضاعهم، ولهم عذاب مؤلم شديد في نار جهنم.
وقد عبر الله تعالى عن كل ذلك بطريق المجاز، فجعل نكث العهد وأخذ شيء مقابله بمثابة الشراء والمعاوضة، ولكنها صفقة خاسرة؛ لأن المقابل أو الثمن مهما كان كثيرا، فهو في الواقع قليل إذا قيس بعظم الجرم والذنب وشدة العقاب الذي يلقاه في الآخرة.