وفي هذا دلالة على أن موقف الكفار من النبي صلّى الله عليه وآله وسلم ودعوته موقف متميز دائما بالإساءة والأذى.
وبعد أن حكى الله مكرهم لذات محمد، حكى مكرهم لدينه وكتابه، فقال:
{وَإِذا تُتْلى..}. أي إذا تليت آيات القرآن الواضحة، قالوا جهلا وعنادا وسفها واستكبارا:{لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا}، وهو اعتراف ضمني بعجزهم عن الإتيان بمثل القرآن، وقد تحداهم للإتيان بأقصر سورة منه، ولكنه التمويه والخداع والإيهام، كما يفعل الضعيف الجبان أمام البطل الشجاع المغوار، يدعي أنه قادر على قتله، وهو مجرد كلام هراء.
وكان قائل هذا القول: هو النضر بن الحارث، روي أن النضر بن الحارث خرج إلى الحيرة تاجرا، واشترى أحاديث كليلة ودمنة، وكان يقعد مع المستهزئين والمقتسمين وهو منهم، فيقرأ عليهم أساطير الأولين، وكان يزعم أنها مثل ما يذكره محمد من قصص الأولين.
إنه كان يذهب إلى أرض فارس، فيسمع أخبارهم عن رستم وإسفنديار وكبار العجم، ويمرّ باليهود والنصارى، فيسمع منهم التوراة والإنجيل، ثم يأتي ليحدث أهل مكة بما سمع.
ثم عللوا قولهم الكاذب بما هو أكذب، فقال: ما هذا القرآن إلا أخبار وأكاذيب وأحاديث الأولين، مثل قصص الأمم السابقين. ونظير الآية قوله تعالى:{وَقالُوا: أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها، فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً}[الفرقان ٥/ ٢٥] ومعنى {أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ} أي كتب المتقدمين اقتبسها، فهو يتعلم منها ويتلوها على الناس. وهذا هو الكذب البحت، كما أخبر الله عنهم في الآية التالية:{قُلْ: أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً}[الفرقان ٦/ ٢٥].