للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لدعوته. ووجود هاتين الحالتين ينافي الكفر، وليس المعنى أنه وقع منهم الكفر، فوبخوا على وقوعه؛ لأنهم مؤمنون، ولذلك نودوا بوصف الإيمان: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} (١).

ومن يعتصم بالله وكتابه ويتمسك بدينه ويتوكل عليه، فقد أحرز الهداية، وابتعد عن الغواية، وسار في طريق الرشاد والسداد وتحقيق المراد.

ثم أمر الله تعالى المؤمنين بالتزام التقوى حقا، بأن يؤدوا الواجبات ويجتنبوا المنهيات، وذلك باجتناب المعاصي كلها، واتباع الأوامر قدر المستطاع، كما قال تعالى: {فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن ١٦/ ٦٤]

وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم» (٢) وقال ابن مسعود: «حق تقاته: أن يطاع فلا يعصى، وأن يذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر» (٣) وقال ابن عباس: هو ألاّ يعصى طرفة عين.

وذكر المفسرون أنه لما نزلت هذه الآية قالوا: يا رسول الله، من يقوى على هذا؟ وشقّ عليهم، فأنزل الله عز وجل: {فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} فنسخت هذه الآية. قال مقاتل: وليس في آل عمران من المنسوخ شيء إلا هذه الآية.

والأصوب أن قوله {فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} بيان لهذه الآية. والمعنى: فاتقوا الله حق تقاته ما استطعتم؛ لأن النسخ إنما يكون عند عدم الجمع، والجمع ممكن فهو أولى.

ثم نهاهم بقوله: ولا تموتن إلا ونفوسكم مخلصة لله، أي: ولا تكوننّ على حال سوى حال الإسلام إذا أدرككم الموت. وهذا حث على المبادرة إلى الإسلام ابتداء


(١) البحر المحيط‍: ١٤/ ٣
(٢) أخرجه الشيخان عن أبي هريرة.
(٣) إسناده صحيح موقوف رواه البخاري.

<<  <  ج: ص:  >  >>