للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يبدأ الواعظ‍ بفعله بنفسه، ولا يتخلف بشيء عمن أمرهم به، قال شعيب عليه السلام-فيما حكاه القرآن: {وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ} [هود ٨٨/ ١١].

والتزام الصلاة أمر شاق إلا على من خشعت نفوسهم لله، وخافوا من شديد عقابه، وعمرت قلوبهم بالإيمان وصدقوا بلقاء الله وحسابه، فبادروا إلى الصلاة، لإراحة أنفسهم، وتطمين قلوبهم، وإراحة بالهم، وإزالة قلقهم، وهو

ما عبر عنه النّبي صلّى الله عليه وسلم بقوله: «وجعلت قرّة عيني في الصلاة» (١).

والأصح أن المراد بالصلاة التي أمر بها اليهود وغيرهم هي الصلاة الإسلامية، بناء على أنهم مخاطبون بفروع الشريعة ومكلفون بها، ولأن الصلاة التي أمروا بها هي المشتملة على الركوع، كما في الآية السابقة، وصلاتهم لا ركوع فيها، كما بينا.

وعبر بالظن في قوله: {الَّذِينَ يَظُنُّونَ} للإشارة إلى أن من ظن اللقاء لا يشق عليه الصلاة، فكيف بمن يتيقنه؟! فهذا سبب آخر بعد نسيان أنفسهم وتلاوة الكتاب للتقريع والتوبيخ.

وفي مجالات الأوامر والترغيب في المأمورات يحسن التذكير بالنعم الإلهية، لذا كرر تعالى تذكير الكتابيين بالنعم التي أنعم بها على آبائهم وعليهم، وأنه فضلهم على غيرهم من العالم في زمانهم، وأنه جعل فيهم الأنبياء، والخطاب ليس موجها إلى الجماعة فقط‍، وإنما إلى كل فرد أيضا، لأن كل امرئ مسئول عن نفسه، فليخش كل إنسان يوما مليئا بالأهوال، لا منجاة فيه إلا بتقوى الله في السر والعلن، ولا فائدة فيه إلا لمن عمل لنفسه، فلا تقبل هناك شفاعة الشفعاء والوسطاء، ولا ينفع دفع البدل أو الفداء، ولا يمنع المقصرون من العذاب.


(١) نص الحديث بكامله: «حبّب إلي من دنياكم: النساء، والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة» أخرجه الإمام أحمد والنسائي والحاكم والبيهقي عن أنس بن مالك رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>