للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المحسوسة لتأنس بها النفوس، وتنكشف أمامها الغوامض، وتزول الأوهام عن معارضة العقل. والله الحكيم يفعل ما يحقق المصلحة بضرب المثل في العظائم والمحقرات حسب الأحوال والمناسبات، فإن كان الأمر عظيما كالحق والإسلام ضرب مثله بالنور والضياء، وإن كان الأمر مهينا حقيرا كالأصنام ضرب مثله في عدم النفع وانعدام الفائدة بما يشبهه من الذباب والبعوض والعنكبوت.

فأما المؤمنون الذين يصدقون بأن الله خالق الأشياء كلها صغيرها وكبيرها، فيقولون: هذا كلام الله حق، لا يقول غير الحق، والكل لديه سواء، وهذا المثل لمصلحة وحكمة. وأما الكافرون الذين يستهزئون بالأمثال بالمحقرات فيقولون متعجبين: ماذا أراد الله بمثل هذه الأشياء الحقيرة؟ فهم في حيرة من أمرهم، وخسارة في نهايتهم، ولو آمنوا لعرفوا الحق ووجه الحكمة في ذلك، قال تعالى:

{لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ، وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً، وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ، وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ: ماذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً} [المدثر ٣١/ ٧٤].

ثم ردّ الله تعالى على المتسائلين بأن هذا المثل كان سببا في زيادة ضلال كثير من الكافرين لكفرهم بالله، وزيادة هداية كثير من المؤمنين لإيمانهم بالله، ولا يضلّ بضرب المثل أو بغيره من القرآن، إلا الفاسقون: الخارجون عن طاعة الله وعن سنته في خلقه وجحد آياته، وتعطيل عقولهم ومشاعرهم عن إدراك المصالح والغايات.

وفي هذا إشارة إلى أن علّة إضلالهم خروجهم عن السّنن الكونية التي جعلها الله عبرة لمن تذكر، فإسناد الإضلال إلى الله تعالى إسناد الفعل إلى السبب، لأنه لما ضرب المثل، فضلّ به قوم، واهتدى به قوم، تسبب لضلالهم وهداهم (١). قال


(١) الكشاف: ٢٠٦/ ١ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>