والله لا يهدي أولئك الظالمين لأنفسهم؛ لأنهم عرفوا الحق وحادوا عنه، وتركوا دلائل النبوة، وهداية العقل.
فجزاؤهم استحقاق غضب الله وسخطه والطرد من رحمته، وسخط الملائكة والناس، وصبّ اللعنات عليهم، والدعاء عليهم بالطرد من رحمة الله في الدنيا، وكذا في الآخرة، كما قال تعالى:{وَقالَ: إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا، ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ، وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً}[العنكبوت ٢٥/ ٢٩].
وهم خالدون أبدا في اللعنة أو في النار؛ لأن مستحق اللعنة جزاؤه النار، ولا يخفف عنهم العذاب ساعة واحدة، ولا يؤجلون لعذر يعتذرون به.
ثم استثنى الله تعالى التائبين، فمن تاب من هؤلاء عن ذنبه، وترك الكفر، ورجع إلى الله، وأصلح قلبه وعمله، وندم على ما فعل، فإن الله غفور لما تقدّم منه، رحيم بعباده كما قال:{وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ، وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ، وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ}[الشورى ٢٥/ ٤٢]. هذا هو الصنف الأول من الكفار وهم التائبون.
وأما الصنف الثاني فهم أهل الكتاب الذين آمنوا بالنبي صلّى الله عليه وسلّم، وشهدوا قبل بعثته أنه حق، ثم كفروا به بعد البعث، ثم ازدادوا كفرا بالإصرار والعناد، ومقاومة الرسول صلّى الله عليه وسلّم، ومحاربة المؤمنين، فهؤلاء لن تقبل توبتهم ما داموا على الكفر، ثم ماتوا وهم كفار، وأولئك هم الواقعون في الضلال، المخطئون سبيل الحق والنجاة، الذين تمكن الكفر في قلوبهم.
والآية تشير إلى أن الكفر يزداد قوة واستقرارا، وتمكنا في القلب بعمل ما يقتضيه ويقويه وينميه، من طريق القيام بأعمال تنافي الإيمان، وتدعم الكفر وأهله. وكذلك الإيمان يزداد وينقص بعمل الصالحات أو بالإنقاص منها، كما