كرائم الأموال. وما تنفقون من شيء، سواء أكان كريما أم رديئا، فإن الله به عليم فيجازي عليه، ولا يخفى عليه أمر الإخلاص والرياء.
ومما يدل على سمو رتبة الصحابة أنهم كانوا يتصدقون بأحب الأموال لديهم،
روى الأئمة الستة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان أبو طلحة أكثر الأنصار نخلا بالمدينة، وكان أحب أمواله إليه بيرحاء (١)(بستان في المدينة) وكانت مستقبلة المسجد، وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم يدخلها ويشرب من ماء طيب فيها، فلما نزلت:{لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتّى تُنْفِقُوا مِمّا تُحِبُّونَ} قال أبو طلحة:
يا رسول الله، إن أحب أموالي إليّ بيرحاء، وإنها صدقة لله تعالى، أرجو برّها وذخرها عند الله تعالى، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله تعالى، فقال عليه الصلاة والسلام: بخ بخ (كلمة استحسان تدل على الرضا والإعجاب) ذلك مال رابح، وقد سمعت ما قلت، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين، فقال: أفعل يا رسول الله، فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه.
وفي رواية لمسلم: فجعلها بين حسان بن ثابت وأبيّ بن كعب.
قال العلماء: إنما تصدّق به النبي صلّى الله عليه وسلّم على قرابة المصدّق لوجهين: أحدهما- أن الصدقة في القرابة أفضل، الثاني-أن نفس المتصدق تكون بذلك أطيب وأبعد عن الندم.
وكذلك فعل زيد بن حارثة،
أخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن المنكدر قال: لما نزلت هذه الآية، جاء زيد بن حارثة بفرس يقال لها (سبل) لم يكن له مال أحب إليه منها فقال: هي صدقة، فقبلها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وحمل عليها ابنه أسامة-أي أعطاها له-، فكأن زيدا وجد من ذلك في نفسه (أي حزن)، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:«إن الله قد قبلها منك».
(١) وضبطها ابن العربي «بيرحاء» وفي الموطإ: «وكانت أحب أمواله إليه بئرحاء».