للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكتاب، بدليل قوله تعالى: {وَإِذا لَقُوكُمْ قالُوا: آمَنّا} على عدم التكافؤ في المواقف بين المسلمين والمنافقين، فالمسلمون يصافونهم، وهم لا يصافون المسلمين لنفاقهم، وهي أيضا بيان لخطئهم في موالاتهم حيث يبذلون محبتهم لأهل البغضاء، والحال أن المسلمين يؤمنون بكتاب الكتابيين كله، وهم مع ذلك يبغضون المسلمين، فلم يحبونهم وهم لا يؤمنون بشيء من كتابهم؟ وفيه توبيخ شديد بأنهم في باطلهم أصلب من المسلمين في حقهم! وأما قوله: {قُلْ: مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ} فهو دعاء عليهم بأن يزداد غيظهم حتى يهلكوا به، والمراد بزيادة الغيظ‍: زيادة ما يغيظهم من قوة الإسلام وعز أهله، وما لهم في ذلك من الذل والخزي والخسران. وربما يكون المعنى: أخبرهم أنهم لا يدركون ما يؤملون، فإن الموت دون ذلك، فيزول معنى الدعاء، ويبقى معنى التقريع والإغاظة، كما في قوله تعالى: {مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ، فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّماءِ، ثُمَّ لْيَقْطَعْ، فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ ما يَغِيظُ‍} [الحج ١٥/ ٢٢].

وذكرت الآية (١٢٠) سببا آخر لعدم اتخاذ الأعداء بطانة: {إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ.}. والمعنى من كانت هذه صفته من شدة العداوة والحقد والفرح بنزول الشدائد على المؤمنين، لم يكن أهلا لأن يتخذ بطانة، لا سيما في الأمر الجسيم من الجهاد الذي هو ملاك الدنيا والآخرة.

لكن يلاحظ‍ أن هذا فيمن كانت حاله مثل المنافقين في صدر الإسلام، بدليل أن المذاهب الأربعة أجازت الاستعانة بالكفار في القتال، إذا كان الكافر حسن الرأي بالمسلمين، أو عند الحاجة في رأي الشافعية (١).


(١) انظر القسطلاني شرح البخاري: ١٧٠/ ٥، نيل الأوطار: ١٣٦/ ٧، الفقه الإسلامي وأدلته للمؤلف: ٤٢٤/ ٦، ط‍ أولى.

<<  <  ج: ص:  >  >>