للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يحضروا مشهدا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليصيبوا من كرامة الشهادة ما نال شهداء بدر، وهم الذين ألحوا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الخروج إلى المشركين، وكان رأيه في الإقامة بالمدينة. فقال الله لهم: قد كنتم أيها المؤمنون قبل هذا اليوم تتمنون لقاء العدو، وتحترقون عليه، وتودون مناجزتهم ومصابرتهم، فها قد حصل لكم الذي تمنيتموه وطلبتموه، فدونكم فقاتلوا وصابروا.

فلما كان يوم أحد ولّى جماعة منهم، فعاتبهم الله على ذلك. روي عن الحسن البصري أنه قال: بلغني أنّ رجالا من أصحاب النّبي صلّى الله عليه وسلّم كانوا يقولون:

لئن لقينا مع النّبي صلّى الله عليه وسلّم لنفعلنّ ولنفعلنّ، فابتلوا بذلك، فلا والله، ما كلّهم صدق، فأنزل الله عزّ وجلّ: {وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ}.

وتمني الموت: معناه تمني الشهادة في سبيل الله. ولقد تمنى الشهادة جماعة لم يشهدوا بدرا، حتى إذا دارت معركة القتال مع الأعداء في أحد، وشهدوا أسباب الموت من اشتباك الرّماح، وظهور الأسنة، واصطفاف الرجال للقتال، جبنوا وضعفوا، وتركوا رسول الله يتلقى السهام، وهو يدعوهم إلى الوقوف بجانبه، ويدعوهم إلى عبادة الله، وصدق اللقاء والثبات.

فمعنى قوله: {فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} أي رأيتم الموت، أي أسبابه، معاينين مشاهدين له، حين قتل بين أيديكم من قتل من إخوانكم وأقاربكم، وشارفتم أن تقتلوا. وهذا توبيخ لهم على تمنيهم الموت، وعلى ما تسببوا له من خروج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، بإلحاحهم عليه، ثم انهزامهم عنه، وقلة ثباتهم عنده.

ولما انهزم المسلمون يوم أحد، وقتل من قتل منهم، نادى الشيطان: ألا إن محمدا قد قتل، ورجع ابن قميئة إلى المشركين، فقال لهم: قتلت محمدا، وإنما كان ضرب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فشجه في رأسه، فظنّ الكثيرون أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد قتل، فأنزل الله: {وَما مُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} الآية، أي

<<  <  ج: ص:  >  >>