{وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها، وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} والمراد أنه خلق أزواجا من جنسكم، لا أنه خلق كل زوجة من بدن زوجها.
وأما الحديث فجاء على طريق تمثيل حال المرأة واعوجاج أخلاقها، باعوجاج الضلوع، فهو على حدّ قوله تعالى:{خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ}[الأنبياء ٣٧/ ٢١].
هذا وسياق الآية يقتضي أن حواء خلقت قبل دخول آدم الجنة. ونقل عن السدي: إن خلق حواء كان بعد دخول الجنة.
ثانيا-الجنة: وهي في اللغة البستان. اختلف العلماء في الجنة التي أسكنها آدم، هي في السماء أم في الأرض (١)؟ قال الأكثرون: إنها التي في السماء، وهي دار الخلد والثواب التي أعدها الله للمؤمنين يوم القيامة، لسبق ذكرها في السورة.
وقالت المعتزلة والقدرية: إنها جنة في الأرض غير جنة الخلد، خلقها الله تعالى امتحانا لآدم عليه السلام، في أرض عدن، أو بفلسطين، أو بين فارس وكرمان. وهو رأي أبي حنيفة وأبي منصور الماتريدي ومذهب السلف. ودليلهم أنها لو كانت جنة الخلد، لما وصل إليها إبليس، فإن الله يقول:{لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ}[الطور ٢٣/ ٥٢]، وقال:{لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا كِذّاباً}[النبأ ٣٥/ ٧٨]، وقال:{لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً* إِلاّ قِيلاً سَلاماً سَلاماً}[الواقعة ٢٥/ ٥٦ - ٢٦]، وأنه لا يخرج منها أهلها لقوله تعالى:{وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ}[الحجر ٤٨/ ١٥]، وأيضا فإن جنة الخلد هي دار القدس، قدست عن الخطايا والمعاصي تطهيرا لها، قد لغا فيها إبليس وكذب، وأخرج منها آدم وحواء
(١) تفسير القرطبي: ٣٠٢/ ١، تفسير ابن كثير: ٧٨/ ١، تفسير الألوسي: ٢٣٣/ ١، البداية والنهاية لابن كثير: ٧٥/ ١ وما بعدها.